تقارير خاصة

وهم الإغاثة في غزة: مساعدات محدودة ومجاعة تتسع!

إعداد: أمل الزهران.

خاص: شبكة الفجر.

في الوقت الذي تتصدّر فيه عناوين القتل والدمار المشهد في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتسلل مجاعة صامتة، لكنها أشد فتكاً، عبر تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين في القطاع المحاصر. إنها حرب التجويع التي باتت أحد أخطر أوجه الحرب الشاملة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أميركي مباشر وصمت دولي.

في الأيام الأخيرة، رُصد دخول عشرات الشاحنات من المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم وموقع زيكيم، بعد انقطاع استمر نحو خمسة أشهر. لكن الحقيقة الميدانية تكشف عن المفارقة: المساعدات التي دخلت لا تتجاوز 10% من الاحتياجات اليومية للقطاع، التي تتراوح، بحسب الجهات الرسمية في غزة، بين 600 و1000 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.

ومع كل شاحنة تدخل، يسقط ضحايا... رصاص الاحتلال لا يغيب عن مشهد توزيع المساعدات. تكررت الاستهدافات الجوية والبرية في محيط نقاط التوزيع، ما حول قوافل الإغاثة إلى فخاخ الموت.

في غزة، كيس الطحين قد يكلّفك حيايتك. فالمساعدات في غزة تُدخلها شاحنة وترافقها طائرة وقناص، ويخرج منها السكان بين شهيد أو جريح أو فارغ اليدين.

رغم دخول الشاحنات إلا أن توزيعها يواجه عراقيل كثيرة، إذ تسيطر قوات الاحتلال على مسارات التوزيع، ويستهداف بشكل مباشر عناصر التأمين، وتنتشر العصابات واللصوص في مناطق الاستلام. كما أن التدافع بين المدنيين أمام شاحنات محدودة لا تفي بالغرض، يُحدث الفوضى.

رغم مشاهد الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة، واللقطات المتداولة لمدنيين أمام نقاط الاستلام، إلا أن الواقع الإنساني على الأرض يناقض تمامًا هذه الصورة. فالكارثة لم تنتهِ، بل يجري تجميلها بصريًا، في محاولة لصناعة وهم مفاده أن المجاعة "قد خفّت"، وأن "المساعدات تصل".

الأونروا، وبرنامج الأغذية العالمي، حذّرا من أن القطاع وصل فعلياً إلى ما يُعرف بـ"مرحلة المجاعة الشاملة". أكثر من 127 شخصاً، بينهم 85 طفلاً، ماتوا نتيجة الجوع وسوء التغذية، وسط تحذيرات بأن هذا الرقم قد يتضاعف في غضون أسابيع إن لم تُفتح المعابر بشكل كامل ودائم.

الحقيقة أن هذه المشاهد لا تمثل سوى جزءًا ضئيلًا وموجّهًا من العمليات الإغاثية، غالبًا ما تُنسّق مسبقًا لتقديمها كدليل على "تحسن الأوضاع". بينما في الأحياء المنكوبة، لا يزال الناس يموتون جوعًا في صمت، ولا تصلهم المساعدات إلا عبر السوق السوداء، أو بعد المرور بمحطات الذل والخطر. هذا التوهيم الإعلامي الذي يمارسه الاحتلال ضمن البروباغندا المعتادة لا ينقذ الأرواح، بل يخدم رواية سياسية هدفها إسقاط صفة المجاعة عن غزة، لتقليل الضغط الدولي وإطالة أمد الكارثة.

التحول في موقف الاحتلال والسماح الجزئي بإدخال مساعدات جاء نتيجة ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، وقلق من تحقيقات دولية بجرائم حرب. تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية في يونيو الماضي كشف أن وزارة الأمن في حكومة الاحتلال حذرت من "تدهور الموقف الدولي"، و"فقدان السيطرة على السردية السياسية في الغرب"، خاصة بعد تسجيل المجاعة رسميًا في شمال غزة.

قطاع غزة اليوم يحتاج إلى فتح كامل ودائم للمعابر، تدفّق منتظم للمساعدات، ومحاسبة دولية لمن يمنعها. فالموت جوعاً لا يقلّ بشاعة عن القتل بالصواريخ، وربما هو الأبشع، لأنه يحدث ببطء، أمام أعين الجميع، بلا صوت.


وهم الإغاثة في غزة: مساعدات محدودة ومجاعة تتسع!