إعداد: حيدر ويس.
خاص: شبكة الفجر.
في وقت تتصاعد فيه التوترات في محافظة
السويداء جنوب سوريا، وتتكاتف فيه التصريحات التحريضية والطائفية على لسان شخصيات لبنانية
على غرار وئام وهاب، يبرز الزعيم الدرزي وليد جنبلاط كصوت عاقل في مشهد يغرقه الغرائز
والشعارات الثأرية.
ففي هذه اللحظة المرتبكة، يؤكد جنبلاط
مرة أخرى أنه ليس زعيمًا طائفيًا، بل حالة سياسية وفكرية نادرة، تستقطب الاحترام في
المشرق كله. فهو الذي لم ينجرف في أصعب المحطات إلى التطرف، ولا إلى الانفعال، ولا
حتى إلى التركيبات الشعبوية.
ولم تكن مواقفه في الحرب الأخيرة على
لبنان إلا تجسيدًا لهذه الرؤية، إذ اختار الواقعية السياسية، رافضًا الانجرار إلى خنادق
السيادة المتطرفة أو العبارات الثأرية، متمسكًا بعروبته ورؤيته القومية، وفي الوقت
نفسه، رافضًا لأي مغامرة غير محسوبة.
في السياق السوري، وبالتزامن مع الاحتجاجات
المتجددة في السويداء، وتعالي الأصوات الداعية إلى دور سياسي جديد للدروز في سوريا،
تبرز رؤية جنبلاط كمقاربة تحليلية عقلانية، تدعو إلى حماية الطائفة لا بعزلها، بل بإدماجها
في نسيج الدولة.
ولا يمكن القفز على حقيقة مهمة، وهي
أن المحافظة الدرزية الصغيرة قد وُضعت بين مطرقة الخوف من دولة جديدة غامضة، وسندان
الإغراءات الإسرائيلية الكاذبة، في ظل تراجع دور النظام السابق وعدم وجود حليف سوري
وطني أو رؤية جامعة.
فالدروز الذين حافظوا على الحياد طيلة
أعوام الحرب، يبدون اليوم وكأنهم يطالبون بمكان جديد، ولكن هل الواقع الجغرافي والديموغرافي
والسياسي في سوريا يساعد على إقامة مشروع حكم ذاتي أو كيان مستقل؟ الجواب الواقعي:
لا.
فمن دون دعم إقليمي أو دولي، وفي ظل
تشظي الجغرافيا السورية، تبدو هذه الرهانات أقرب إلى الوهم منها إلى المشروع.
وهنا، يأتي دور دروز لبنان، وعلى رأسهم
جنبلاط، ليكونوا صوتًا مساندًا، لا كزعامة تتجاوز الحدود، بل كشريك في القلق وفي المصير.
ولا بد من الإشارة إلى زيارة جنبلاط
المبكرة إلى دمشق بعد سقوط بشار الأسد، والتي التقى فيها الرئيس السوري الجديد أحمد
الشرع. هذه الزيارة التي اعتبرها كثيرون متسرعة، كانت في جوهرها رسالة حرص على سوريا
كوطن، لا على النظام.
وفي وقت يملأ فيه وئام وهاب المشهد
بالصراخ والتهجّم، ويرسل رسائل سلبية تسيء للعلاقات مع الخليج والعالم العربي، يظهر
جنبلاط نقيضًا تامًا: زعيمًا يمارس المسؤولية، يحفظ الذاكرة، ويدرك أن حماية الطائفة
لا تكون إلا في عمق الدولة، لا على هامشها.
فالحفاظ على التنوع في سوريا، يبدأ
من تمسك المكونات الصغيرة بوحدة الدولة، والخروج من خطاب الطوائف إلى الرؤية الوطنية
الجامعة.
وفي الختام، يثبت جنبلاط أنه صوت العقل
المتمايز في زمن يغرق بفتن الدم والتطرف، رافعًا معادلة صعبة: حماية الطائفة، دون التورط
في القتل، وتجديد الانتماء الوطني، دون الغرق في شعارات خاوية.