تقارير خاصة

ملف التفاوض مع العدو الإسرائيلي على نار حامية: لبنان بين مفترق الترسيم وضمانات واشنطن

إسلام جحا - خاص الفجر

 

في وقتٍ يستعدّ فيه لبنان لدخول مرحلة دقيقة في مسار التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي، يطفو الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني، وسط ترقّب داخلي وإقليمي لنتائج الحراك الدبلوماسي الأميركي المقبل، المتمثل في الزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي الخاص توماس براك إلى بيروت خلال الأسبوعين المقبلين، والتي قد تتزامن مع زيارة مماثلة إلى تل أبيب. زيارة يُنظر إليها كمحطة مفصلية قد تحدّد ملامح المرحلة المقبلة من المفاوضات.

 

جلسة مجلس الوزراء: آلية التفاوض على الطاولة

 

ومن المقرّر أن يطرح مجلس الوزراء في جلسته ملف آلية التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي، ليس باعتباره بندًا أساسيًا، بل كمحورٍ للنقاش والتوجيه السياسي. وتشير المعلومات إلى أن لقاءً تمهيديًا سيجمع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون برئيس الحكومة نواف سلام قبل الجلسة، في خلوةٍ مخصصة لتنسيق الموقف الرسمي من آلية التفاوض، بهدف إرسال إشارة داخلية وخارجية بأنّ لبنان مستعدّ للمضي قدماً في المسار الدبلوماسي، لكن على قاعدة الضمانات والوساطات الدولية لا التنازلات.

 

الرهان على الدور الأميركي

 

المصادر نفسُها أكّدت أن الضمانات الأميركية تشكّل حجر الزاوية في أي تقدّم مرتقب، إذ لا يرغب لبنان في خوض أي مفاوضات دون وجود التزامات أميركية واضحة تحمي مصالحه. وفي هذا الإطار، تكتسب زيارة براك المرتقبة أهمية مزدوجة: فهي أولاً تهدف إلى إيضاح الموقف الأميركي وترتيب دور واشنطن في الوساطة، وثانياً تمهّد لزيارةٍ محتملة إلى إسرائيل قد تُشكّل إشارة لانطلاق فعلي للمفاوضات.

 

ويأتي هذا الحراك بالتزامن مع وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى بيروت، وهو ما انعكس تفاؤلاً حذراً في الأوساط السياسية اللبنانية، خصوصاً بعد تسريبات تشير إلى ترحيب الإدارة الأميركية بخطوة لبنان، واستعدادها للعب دورٍ فعّال في إنضاج المسار، على أن تبقى العقدة الكبرى – وفق تلك الأوساط – في الموقف الإسرائيلي الرافض حتى الآن لمبادرات التفاوض غير المباشر.

 

رفض المفاوضات المباشرة والانقسام الداخلي

 

على ضفةٍ أخرى، تكثّفت في الأسابيع الأخيرة المؤشرات على مساعٍ لدى العدو الإسرائيلي لدفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة، الأمر الذي قوبل برفضٍ رسمي لبناني قاطع، مع تأكيد الحكومة على التمسّك بآلية "الميكانيزم" المنبثقة عن اللجنة الخماسية المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر الماضي.

 

وكشف مصدر أنّ بيروت تلقّت عروضًا دولية عدّة للدخول في محادثات مباشرة، لكنها رفضتها جميعًا، متمسّكة بصيغة التفاوض غير المباشر التي أثمرت نجاحات سابقة، أبرزها اتفاق ترسيم الحدود البحرية عام 2021. وشدّد المصدر على أنّ «أي حديث عن تطبيع غير مطروح بتاتًا»، مؤكدًا أنّ لبنان يفاوض فقط عبر وساطات دولية وبرعاية الأمم المتحدة.

 

في المقابل، يرى بعض الفاعلين السياسيين أن رفض المفاوضات المباشرة يُعبّر عن موقف واقعي نابع من حسابات داخلية، أبرزها موقف "حزبِ الله" الرافض لأي شكل من أشكال التفاوض المباشر، فيما يعتبر آخرون أنّ التفاوض أصبح واقعًا لا مفرّ منه، في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والدولية.

 

ما الفرق بين التفاوض غير المباشر والتطبيع؟

 

ويميز القانونيون بين بين التفاوض غير المباشر والتطبيع، فالأول وسيلة لإدارة النزاعات وحماية المصالح الوطنية برعاية دولية، فيما التطبيع هو اعتراف سياسي لا يطرحه لبنان على الإطلاق. ولدى لبنان بتجارب ناجحة في هذا المجال، مثل تفاهم نيسان 1996 الذي أنشأ لجنة خماسية لمراقبة وقف إطلاق النار.

 

لبنان أمام اختبار المرحلة المقبلة

 

تتلاقى المعطيات عند قناعةٍ مفادها أنّ لبنان يقف أمام اختبار مفصليّ: فإما أن يستثمر الزخم الدبلوماسي الأميركي للدخول في مسار تفاوضيّ متوازن يحفظ حقوقه، أو أن يبقى أسير التجاذبات الداخلية والانقسامات السياسية. وبين تفاؤلٍ رسميّ مشوب بالحذر، وتشدد في رفض المفاوضات المباشرة، يبقى الرهان على ما ستحمله زيارة براك من إشارات، وما إذا كانت بيروت وتل أبيب تقتربان فعلًا من لحظة التفاوض المنتظرة، أم أنّ الطريق ما زالت طويلة نحو تسويةٍ تضمن السيادة اللبنانية وتخفف منسوب التوتر في الجنوب.

 

 


ملف التفاوض مع العدو الإسرائيلي على نار حامية: لبنان بين مفترق الترسيم وضمانات واشنطن