حسين نجم/ خاص الفجر
يعيش مخيم عين الحلوة واحداً من أثقل
أيامه.. أحد عشر شهيداً من أبنائه عادوا إلى المخيم محمولين على الأكتاف، بينما شُيّع
الشهيدان الآخران، محمد خليل وجهاد صيداوي، في صيدا خارج حدود المخيم. لكن الوجع كان
واحداً.
في المخيم، خرجت الجموع كما لو أن كل
بيت فقد ابنه. الأزقة الضيقة امتلأت بآلاف الناس الذين ساروا خلف النعوش رافعين رايات
فلسطين ومرددين كلمات تختصر كل ما حصل: أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة بحق فِتيةٍ
كانوا يمارسون حياةً طبيعية في ملعب الشهيد محمد طه..ملعبٍ بسيط كان مساحة للعب والسباحة،
وتحول في لحظة إلى ساحة دم.
بالزغاريد وصور الشهداء استقبل الأمهات
أبناءهم ومع ذلك، بدا في وجوههن مزيجٌ غريب من الألم والقوة؛ قوة تعكس روح المخيم الذي
رغم كل جراحه ينهض كل مرة أكثر تماسكا.
موكب التشييع داخل المخيم لم يكن مجرد
خطوات تتجه نحو المقبرة؛ كان إعلاناً جماعياً أن المجزرة لن تكسر إرادة الناس. فالهتافات
التي ارتفعت لم تكن هتافات غضب فقط، بل هتافات تصرّ على أن خيارهم ما زال ثابتاً، وأن
الصمود بالنسبة لهم ليس شعاراً، بل أسلوب حياة.
والرسالة التي عبّر عنها المشيّعون
كانت واضحة: أن الاحتلال قد يستهدف ملعباً أو منزلاً أو طفلاً، لكنه لن يستطيع أن ينتزع
من هذا المخيم إيمانه بحقّه وكرامته.
أما الشهيدان اللذان شُيّعا خارج المخيم،
فكانا جزءاً من الوجع ذاته، إذ امتدّت الجموع من عين الحلوة إلى صيدا لتؤكد أن الدم
الفلسطيني واحد، وأن الفقد لا يعرف حدود المخيمات أو المدن.
وهكذا، بين الوداع في صيدا والوداع
في المخيم، وبين صمت الجنازات وصدى الهتافات، كتب أبناء عين الحلوة مشهداً جديداً من
الصمود الذي لا يُلغيه الألم ولا تُخمده المجازر ولا يهزّه قصف الاحتلال.