تقارير خاصة

غلاء الدواء في لبنان: من وجع الوطن إلى وجع المريض..!

إسلام جحا – خاص الفجر

لم تعد أزمة الدواء في لبنان شأنًا صحيًا فحسب، بل تحوّلت إلى قضية بقاء تمسّ حياة كل بيت لبناني. فالمريض الذي كان يحمل وصفته بثقة إلى الصيدلية، بات اليوم يحملها بقلقٍ وخوف، يسأل: «هل الدواء موجود؟ وكم ثمنه؟». آلاف المصابين بأمراض مزمنة ومستعصية يبحثون عن علاجٍ لا يجدونه، أو يجدونه بأسعار تفوق قدرتهم على الاحتمال. ووفق تقديرات عام 2025، فإن أكثر من 70% من اللبنانيين باتوا يعتمدون على وزارة الصحة في ظل ميزانية عامة بالكاد تكفي لإدارة الأزمة.

انهيار الاقتصاد.. وانهيار الأمن الدوائي

ترافق الانهيار المالي مع انهيارٍ موازٍ في «الأمن الدوائي»، إذ تراجع الاستيراد المنتظم للأدوية بفعل شحّ الدولار الذي استفحل خلال السنوات القليلة الماضية، وتردّد المستوردين في إدخال شحنات جديدة إلى السوق اللبنانية. فالأدوية التي كانت متاحة بأثمانٍ معقولة صارت تُباع بأضعاف سعرها، وخرجت أصناف أساسية من الأسواق. وفي بلدٍ يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، أصبح الحصول على علاجٍ بسيط نوعًا من الرفاهية المفقودة.

الأزمة لم تقتصر على الأسعار، بل طالت سلاسل التوريد والتخزين. ومع الانقطاع المستمر للكهرباء تعطلت أنظمة التبريد في المستشفيات والصيدليات، ما أدى إلى تلف أدوية حساسة كالعلاجات السرطانية واللقاحات. ومع غياب رقابة فعّالة، دخلت إلى السوق كميات من الأدوية المهرّبة والمزوّرة، لتفاقم خطر المرض بخطرٍ آخر هو التسمم أو العلاج الخاطئ.

الوضع أفضل...

ومع ذلك، يؤكد نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم، في حديثٍ لإذاعة الفجر، أنه يمكن القول إن الواقع الدوائي صار أفضل من السنوات السابقة لناحية توافر الأدوية، فيما تبقى المعضلة في دعم بعض الأدوية كأدوية السرطان وأدوية الأمراض المستعصية.

غياب الوكالة الوطنية للدواء

ورغم تعاقب الحكومات، لا تزال المراسيم التطبيقية لإنشاء «الوكالة الوطنية للدواء» حبيسة الأدراج. هذه الوكالة التي يُفترض أن تكون صمّام أمانٍ لمراقبة الجودة وتنظيم التسجيل والاستيراد، ظلّت مجرّد فكرة مؤجّلة، ما ترك السوق في فوضى تُدار بالمزاج والمصالح.

الصناعة الدوائية المحلية.. إنجاز ناقص

ويعمل في لبنان نحو ثلاثة عشر مصنعًا دوائيًا محليًا ينتج أكثر من ألف صنف، في محاولة لتقليص الاعتماد على الخارج. إلا أنّ هذه الصناعة، رغم جهودها، ما زالت تواجه عقبات كبرى: صعوبة استيراد المواد الخام، غياب الدعم الحكومي، وافتقار بعض المصانع للتقنيات المتقدمة التي تتيح إنتاج أدوية نوعية. هكذا تحوّل «الإنجاز» إلى «فرصة ضائعة»، كان يمكن أن تشكّل طوق نجاة في زمن الانهيار.

فوضى السوق والتهريب

مع تراجع الدولة عن دورها التنظيمي، ظهرت شبكات التهريب والتزوير، فضبطت الأجهزة الأمنية كميات كبيرة من الأدوية المزوّرة، بعضها يحمل أسماء شركات عالمية، ويُباع عبر السوق السوداء أو صفحات إلكترونية مجهولة. ووسط هذا الفلتان، يجد المريض نفسه فريسةً للغشّ، يشتري الوهم على أنه شفاء.

إذا استمرت السياسات على حالها، فإن مستقبل المريض اللبناني مظلم. فالأدوية ستظل شحيحة، والأسعار خارج السيطرة، والتهريب سيد الموقف. الحلّ لا يكون بقرارات ترقيعية، بل بخطة وطنية تعيد بناء الثقة: إنشاء الوكالة الوطنية للدواء، دعم الصناعة المحلية، وضع آليات شفافة للتمويل والاستيراد، وتفعيل التعاون القضائي لمكافحة السوق السوداء.


 

 


غلاء الدواء في لبنان: من وجع الوطن إلى وجع المريض..!