إعداد: أمل الزهران.
خاص: شبكة الفجر.
من طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني،
المدينة التاريخية ذات التنوع الديموغرافي والسياسي، خاضت الانتخابات البلدية والاختيارية
بحمولة ثقيلة من الرسائل والدلالات... أبرزها: الصمت الشعبي، وغياب الحماسة، وتفكك
البدائل.
ميدانياً، مرّ النهار الانتخابي بهدوء
نسبي، وإن شابته بعض الثغرات التنظيمية: تأخر في فتح عدد من الأقلام، نقص في المستلزمات
اللوجستية، وغياب لافت للماكينات الانتخابية. العملية الانتخابية كشفت عن مفارقة لافتة
تمثّلت في تسجيل أدنى نسبة اقتراع بين مدن الشمال، رغم حجم المدينة وأهميّتها السياسية
والإدارية.
رغم كونها ثاني أكبر مدينة في لبنان،
وتمتعها بثاني أكبر مجلس بلدي بعد بلدية بيروت، إلا أن طرابلس سجّلت أدنى نسبة اقتراع
في محافظة الشمال، بنسبة 26.7% من الناخبين توجهوا إلى صناديق الاقتراع، بتراجع ملحوظ
حيث بلغت النسبة في انتخابات 2016، 40%.
هذا المشهد الانتخابي المربك كشف عمق
الأزمة التمثيلية في طرابلس، حيث لم تعد التحالفات التقليدية قادرة على حشد الشارع،
ولا استطاع الحراك المدني أن يملأ الفراغ الناتج عن انسحاب الزعامات السنية. وجد الناخب
الطرابلسي نفسه أمام مشهد باهت لا يُغري بالمشاركة، فكانت النتيجة تراجعاً لافتاً في
نسب الاقتراع.
رغم التأخر الكبير في إعلان النتائج،
سُجّل فوز لائحة "الكرامة والتنمية" في بلدة وادي النحلة، قضاء طرابلس، بكامل
أعضائها. كما سجل التيار الوطني الحر خرقاً نادراً في طرابلس عبر الفوز بمقعدين في
الانتخابات الاختيارية، ما يُعد مؤشراً على إعادة تموضع بعض القوى في المدينة.
أما من الناحية الأمنية، فقد واكبت
القوى الأمنية العملية بشكل مكثف، وتمكنت من احتواء بعض الإشكالات المحدودة. لكن نهاية
اليوم الانتخابي لم تمر من دون إصابات، إذ أدى إطلاق الرصاص العشوائي احتفالاً بالنتائج
إلى إصابة الزميلة الإعلامية ندى أندراوس، في حادث مؤسف.
وبانتظار صدور النتائج الرسمية الكاملة،
يمكن القول إن يوم طرابلس الانتخابي، كشف عن أزمة ثقة عميقة بين المواطن الطرابلسي
والطبقة السياسية، في ظل غياب البدائل الجادة والموحدة.
طرابلس قالت كلمتها، لا من خلال من
فاز، بل من خلال من غاب. غابت الثقة، غابت القيادة، وغابت المشاركة. وما عاد في المدينة
صوتٌ يعلو على سؤال واحد: من يُنقذ طرابلس من الصمت؟
في نهاية هذا اليوم الانتخابي الطويل،
لم تكن طرابلس فقط مسرحاً لصناديق الاقتراع، بل مرآةً لمجمل المشهد اللبناني. طرابلس..
المدينة التي كانت دائماً في صلب التوازنات السياسية، بدت في هذا الاستحقاق أشبه بمرآة
لواقع لبنان السياسي المتفكك، بين تحالفات مفككة، وخطابات مكررة، وصناديق اقتراع فارغة.