إعداد: أمل الزهران.
خاص: شبكة الفجر.
من جديد، يعود شبح العتمة ليخيّم على
لبنان، بعد انقطاع شامل للتيار الكهربائي ضرب مختلف المناطق منذ منتصف ليلة السبت،
في أزمة أعادت إلى الأذهان سيناريوهات الانهيار الشامل التي شهدتها البلاد في السنوات
الأخيرة.
بحسب مؤسسة كهرباء لبنان، العطل الذي
أدى إلى الانهيار الكامل للشبكة وقع عند الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل في محطة
الذوق الحرارية إحدى المحطات الرئيسية لتوزيع الطاقة في البلاد.
العطل ناتج عن انخفاض في العزل الكهربائي
لأحد عوازل جسور التوصيل لمحولات التوتر العالي، وذلك بفعل ارتفاع غير مسبوق في درجات
الحرارة والرطوبة.
هذا العطل أدى بدوره إلى ضغط حراري
كبير على المجموعة البخارية في معمل دير عمار، ما أعاق عملية الدوران وأخرج المحطة
مؤقتًا عن الخدمة.
مؤسسة كهرباء لبنان أكدت في بيانات
متلاحقة أن مثل هذه الأعطال تتكرر في فصل الصيف، خصوصًا عندما تتجاوز درجات الحرارة
والرطوبة النسب المعتادة، مشيرة إلى أن الفرق الفنية التابعة لها باشرت مباشرةً بأعمال
الإصلاح والتبريد.
لكن اللافت كان ما أعلنه وزير الطاقة
والمياه جو الصدّي، الذي دعا إلى فتح تحقيق فوري لتحديد ما إذا كان هذا الانقطاع مجرد
عطل تقني طبيعي، أم أن هناك شبهة عمل تخريبي متعمد، خاصةً في ظل تكرار بعض الحوادث
المشابهة خلال العامين الماضيين.
الصدي اعتبر أن تكرار مثل هذه الانقطاعات
ما كان ليحدث لو تم بناء معامل إنتاج جديدة وحديثة خلال العقد الماضي، محذرًا من أن
استمرار الوضع كما هو سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وإنسانية، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية
الحادة التي يشهدها لبنان والمنطقة.
الأزمة جاءت وسط موجة حرّ شديدة تضرب
لبنان منذ يومين. وبحسب مصلحة الأرصاد الجوية، لامست الحرارة عتبة الـ 45 درجة مئوية
في بعض المناطق الداخلية، فيما وصلت نسبة الرطوبة إلى أكثر من 80% على الساحل.
هذه الظروف المناخية القاسية ساهمت
بشكل مباشر في تعطيل أنظمة التبريد داخل المحطات، وتسببت في إجهاد شديد على شبكات التوتر
العالي، وهي بنية تحتية قديمة لم تعد قادرة على الصمود في وجه الضغط الحراري والتقني
المستمر.
أثر الأزمة لم يتوقف عند الكهرباء،
إذ أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان عن توقف مضخات أساسية في محطة الضبية بسبب انقطاع
التيار، ما أدى إلى انخفاض ساعات ضخ المياه إلى العاصمة بيروت ومناطق المتن الساحلي.
ودعت المؤسسة المواطنين إلى ترشيد استهلاك المياه، مؤكدة أن الخدمة ستبقى متقطعة حتى
إعادة التغذية الكهربائية بشكل طبيعي.
في الشارع اللبناني، عبر المواطنون
عن غضبهم وقلقهم من عودة مشهد "العتمة الشاملة"، في وقت تعاني فيه البلاد
من أزمات اقتصادية وصحية ومعيشية متراكمة.
أزمة انقطاع الكهرباء الأخيرة في لبنان
ليست مجرد حادث تقني، بل هي جسد لمرض مزمن ضرب قطاع الطاقة منذ سنوات طويلة.
وفي ظل موجات الحر المتكررة والتغير
المناخي المتسارع، يُطرح السؤال اليوم: هل يتحرّك لبنان فعليًا نحو إصلاح قطاع الكهرباء،
أم أن "العتمة" ستبقى قدرًا يوميًا؟