أمل الزهران / خاص الفجر
في متابعة لملف أثار جدلاً واسعاً في
لبنان، أصدرت وزارة الصحة العامة قراراً قضى بوقف شركة "مياه تنورين" عن
تعبئة المياه وسحب منتجاتها من الأسواق مؤقتاً، بعد أن أظهرت فحوصات مخبرية تلوث المياه
ببكتيريا الزائفة الزنجارية، وهي بكتيريا قد تشكل خطراً على الصحة.
القرار، الصادر بتاريخ 13 تشرين الأول
2025 عن وزير الصحة بالوكالة ركان ناصر الدين، أتى "حفاظاً على الصحة العامة"،
بحسب ما أكده في بيان رسمي، مشيراً إلى أن الوزارة باشرت بأخذ عينات إضافية من السوق
لفحصها، والتأكد من سلامتها. ناصر الدين شدد على أن القرار قابل للتعديل فور قيام الشركة
باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان جودة المياه، وأن الهدف ليس الإضرار بالشركات اللبنانية،
بل حماية صحة المواطنين، التي تبقى أولوية قصوى.
من جانبها، ردّت شركة "مياه تنورين"
في مؤتمر صحافي، معتبرةً القرار "متسرّعاً" و"غير مستند إلى معايير
مخبرية واضحة". رئيس مجلس إدارة الشركة، جورج مخول، أشار إلى أن العينة التي استند
إليها القرار لم تُسحب بحسب الأصول، ولم يُشعر بها مندوب من الشركة، كما لم يتم إبلاغ
الإدارة رسمياً بالنتائج.
وأوضح مخول أن الشركة أجرت فحوصات في
مختبرات دولية معتمدة وجاءت نتائجها مطابقة للمعايير العالمية، مؤكداً أن "تنورين"
التزمت دائمًا بالقواعد الصحية، وتحتفظ بحقها القانوني في متابعة القضية، دون الدخول
في مواجهة مع الدولة، بل في إطار التعاون وتصويب الإجراءات.
في المقابل، أبدت الهيئات الاقتصادية
قلقها من تداعيات القرار. بدورها، أكدت وزارة العمل أنها تتابع الملف من زاوية حماية
حقوق العمال، وتدعم أي إجراء يصب في مصلحة الصحة العامة، من دون المساس بأمن الموظفين
الاجتماعي والمعيشي.
قضية تلوّث المياه في لبنان لا تتوقف
عند شركة واحدة، بل تفتح الباب واسعًا أمام ضرورة مراجعة شاملة لقطاع مياه الشرب، سواء
المعبّأة أو تلك التي تصل إلى المنازل. ففي بلد يعاني من ضعف في البنية التحتية وغياب
الرقابة المستمرة، تبقى مخاطر التلوّث قائمة، سواء من خلال شبكات المياه المهترئة،
أو عبر استخدام صهاريج غير مراقبة، أو حتى بسبب سوء تخزين المياه وتوزيعها في ظروف
غير ملائمة.
ما حصل مع "مياه تنورين"،
أياً تكن نتائجه النهائية، يشكل فرصة أمام الدولة لإطلاق خطة وطنية شاملة لفحص معامل
تعبئة المياه، ومراقبة جودة المياه الجوفية، ومعالجة مشكلات التلوث عند المصدر.
فالصحة العامة تتطلب رقابة وشفافية
تامة في الإجراءات، بما يضمن حق المواطن في مياه نظيفة، وحق المؤسسات في بيئة عادلة
وموثوقة للعمل.
وفيما ينتظر الرأي العام نتائج الفحوصات
النهائية، تبقى هذه القضية اختبارًا فعليًا لقدرة المؤسسات اللبنانية على التعامل مع
الأزمات بمهنية وشفافية، وعلى الموازنة بين حماية المستهلك، وضمان حقوق الشركات والعمال،
في قطاع حيوي كقطاع مياه الشرب.