من واشنطن إلى طهران مروراً بتل أبيب،
بدا العالم هذا الأسبوع وكأنه يعيش فصولاً من مسرحية سياسية معقدة. فالرئيس الأمريكي
دونالد ترامب، الذي يقود السياسة الخارجية الأمريكية يخرج يومياً للإعلام بعاصفة من
التصريحات المتضاربة والمواقف المتقلبة.
ففي غضون أيام، أعلن ترامب عن اتفاق
لوقف إطلاق النار بين الكيان الإسرائيلي وإيران، وكان قد عبّر عن "خيبة أمله"
من الطرفين، وهدد إيران ومن بعدها أمر تل أبيب بعدم قصف إيران، ليعود ويشكر طهران.
هذه التحولات الحادة، واللافتة، تدفعنا إلى التساؤل: ما السبب وراء تصريحات ترامب المريبة
والغريبة؟ وهل نحن أمام دبلوماسية واقعية أم إدارة للأزمات عبر التضليل المتعمّد؟
ظهر ترامب أمام الصحفيين في البيت الأبيض
صباح الثلاثاء، غاضب الملامح، حادّ النبرة. بدا غاضباً بشكل غير مسبوق، وقالها صراحة:
"ليس راضياً عن الكيان. وأضاف كما تعلمون، حين أقول: أعطوا 12 ساعة، لا تبدأوا
أول ساعة بإلقاء كل القنابل. هذا ليس ما اتفقنا عليه".
ثم أضاف، في تصريحات فاجأت الصحفيين:
"الطرفين يتقاتلان منذ فترة طويلة لدرجة أنهما لا يعرفان ما يفعلانه".
لكن المثير للدهشة، أن ترامب، الذي
كان قبل أقل من 48 ساعة يهدد بضرب إيران ويتحدث عن "نجاح عسكري باهر"، بات
الآن وسيطًا غاضباً، يوبّخ حليفه الصهيوني، ويوجّه أوامره للكيان الاسرائيلي عبر وسائل
التواصل: "لا تلقِ هذه القنابل. أعيدوا طياريكم فوراً".
هذه التصريحات لا يمكن فصلها عن النمط
الذي بات يعرف بـ"سياسة ترامب": إعلان وتهديد، ثم تراجع ومناورة، ثم تصعيد
جديد. وهو نمط لم يعد مجرد أسلوب في الإدارة، بل تحول إلى ما يشبه العقيدة السياسية،
حيث يستخدم التناقض كأداة ضغط، والتضليل كأداة تفاوض.
فكل هذه التصريحات، تطرح تساؤلات عدّة
حول حقيقة ما يجري، فرواد مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلوا مع تصريحات ترامب، فما بين
الغرابة والتناقض وجد الرواد نفسهم أمام مشهدٍ معقد تطغى عليه الضبابة والغموض.
اللافت أن كل خطوة أقدم عليها ترامب
خلال هذه الأزمة اتّسمت بعدم الوضوح: تصريحات مبهمة، وتهديدات، ثم تراجع مغلف بلغة
"المنطق" و"الدبلوماسية".
هذا النمط، القائم على التصعيد الإعلامي
والتراجع التكتيكي ليس بجديد. لكنه اليوم أكثر خطورة، لأنه يتقاطع مع ملفات شديدة الحساسية،
كالصراع القائم بين إيران-الكيان الإسرائيلي.
في النهاية، ما نراه ليس مجرد تناقض
في التصريحات، بل تكتيك في إدارة أزمة معقدة، لكن هذا التكتيك يحمل مخاطر حقيقية. فبينما
يستخدم ترامب التضليل، فإن العالم على حافة تصعيد قد يخرج عن السيطرة.
ورغم كل ذلك، تبقى الحقيقة الأهم هي
أن هذا النمط السياسي الذي يخلط بين التهديد والتراجع، وبين التحريض والدعوة للتهدئة
لا يخلق استقراراً حقيقياً في المنطقة، بل يضيف مزيداً من الغموض على ملفات معقدة بطبيعتها.