إسلام جحا - خاص الفجر
رغم مرور ما يقارب العام على اتفاق
وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، فإن الجنوب اللبناني لا يزال يعيش على وقع
الخروقات اليومية، التي تُعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب دون أن تُعلن رسميًا. فالحرب
على غزة توقفت، لكن الانتهاكات في لبنان لم تتوقف، والأجواء الجنوبية تظلّ مشرعة للطيران
الإسرائيلي الذي يخترق السيادة بلا هوادة.
قبل فجر أمس الثلاثاء، سجّلت وكالة
الأنباء اللبنانية الرسمية أحدث خرق ميداني لاتفاق الهدنة، إذ توغلت ثلاث آليات إسرائيلية
صغيرة من نوع (ATV)
في منطقة خلة وردة الواقعة في قضاء بنت جبيل بمحافظة النبطية، وذلك باتجاه الأطراف
الغربية لبلدة عيتا الشعب.
وسبقت عملية التوغل طلعاتٌ مكثفةّ للطيران
المسيّر الإسرائيلي في أجواء قرى النبطية والزهراني، وعلى علو متوسط، في مؤشر إلى تصعيد
ميداني متدرّج قد يفتح باب المواجهة مجددًا.
وفي وقت متأخر من مساء الاثنين، رصدت
الوكالة تحليق طائرات استطلاع إسرائيلية فوق بلدات النميرية وزفتا والزهراني، على ارتفاعات
منخفضة، ما أثار حالة من القلق في الأوساط الجنوبية، التي لا تزال تلملم جراح حرب العام
الماضي.
حرب انتهت على الورق فقط
تعود جذور التصعيد الحالي إلى الحرب
الإسرائيلية على لبنان في سبتمبر/أيلول 2024، التي تسببت بمقتل أكثر من 4 آلاف شخص
وإصابة نحو 17 ألفًا، إلى جانب اعتقال العشرات.
ورغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في
نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فإن إسرائيل خرقته أكثر من 4500 مرة منذ ذلك الحين، وفق
مصادر لبنانية رسمية، بينما لا تزال تحتل خمس تلال جنوبية سيطرت عليها خلال الحرب الأخيرة،
إضافة إلى مناطق أخرى محتلة منذ عقود.
توثيق أممي للانتهاكات
من جهتها، أعلنت قوة الأمم المتحدة
المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) أنها سجّلت أكثر من 2200 نشاط عسكري إسرائيلي شمال الخط
الأزرق، وأكثر من 6200 انتهاك جوي منذ سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية.
وأكدت القوة في بيانٍ صدر مساء الاثنين،
أنها تواصل رفع تقارير دورية إلى مجلس الأمن الدولي حول هذه الخروقات التي تنتهك القرار
1701، وتشمل وجود قوات إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، وعبور الخط الأزرق يوميًا،
والعثور على أسلحة غير مصرّح بها في مناطق التماس.
وأشارت "اليونيفيل" إلى أن
بعض عناصرها تعرضوا لإطلاق نار مباشر من القوات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، ما
دفعها إلى تعزيز التنسيق مع الجيش اللبناني لتفادي مزيد من التصعيد.
الجنوب تحت الطيران
تواصل قوات الاحتلال تبرير عملياتها
الجوية بأنها تهدف إلى منع حزب الله من إعادة بناء قدراته جنوب نهر الليطاني، غير أن
نتائج تلك الغارات – بحسب تقارير ميدانية – كانت مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين
اللبنانيين، إلى جانب أضرار جسيمة في البنى التحتية.
احتلال معلن وموقف لبناني متحفظ
لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتل تلالًا
استراتيجية في الجنوب اللبناني، في وقت تربط تل أبيب انسحابها بسيطرة الجيش اللبناني
الكاملة على المناطق الواقعة جنوب الليطاني، وهي شروط يرفضها لبنان رسميًا باعتبارها
ابتزازًا سياسيًا وعسكريًا.
وبين توغلٍ محدود هنا، وغارةٍ خاطفة
هناك، يعيش الجنوب اللبناني هدنة معلّقة على خيط من الدخان. فالسلام على الورق لم يُترجم
ميدانيًا، والسيادة اللبنانية تُنتهك جوًا وبرًا يوميًا، بينما تسجّل "اليونيفيل"
الخروقات واحدًا تلو الآخر في انتظار موقفٍ دولي أكثر حسمًا يوقف مسلسل الانتهاكات
الإسرائيلية المستمر.