إسلام جحا - خاصّ الفجر
ضيّقت الحرب الخناق على الغزيين، فلم
تُبقِ لهم سوى الأمل في وجبة من "تكية" خيرية، لكن حتى هذا الأمل بدأ يتلاشى.
فقد اضطرت عشرات التكيات الخيرية في قطاع غزة إلى وقف خدماتها أو تقليصها إلى أدنى
حدّ، بعد أن شلّ إغلاق الاحتلال الإسرائيلي الكامل للمعابر تدفّق المساعدات الغذائية
إلى القطاع المنكوب.
منذ نحو شهرين، يمنع الاحتلال إدخال
المساعدات الإنسانية والتجارية إلى غزة، ما تسبّب في حرمان أكثر من مليونين ومئتي ألف
نسمة من الغذاء والدواء، وأدّى إلى انهيار شبه كامل في الأمن الغذائي. ومع حلول شهر
رمضان، كان من المفترض أن تزداد أعمال الخير، لكن الاحتلال اختار أن يحاصر حتى المبادرات
الإنسانية، مستغلًا الجوع كسلاح إضافي، ليتفاقم الوضع ويزداد ضراوةً حتى بعد انقضاء
شهر الصيام وازدياد الحاجة للطعام.
أمام إحدى التكيات، تقف صباح، وهي أم
لخمسة أطفال، بانتظار وجبة من تكية خيرية اعتادت أن تطعم منها عائلتها منذ بداية الحرب.
تقول: "أحيانًا ننتظر ساعات، ثم نعود بلا شيء. الجوع أوجعنا أكثر من القصف".
وبحسب بيان للمكتب الإعلامي الحكومي
في غزة، فإن أكثر من 60 تكية ومركزًا لتقديم الطعام توقّف عن العمل كليًا بسبب نفاد
المواد التموينية، مما ترك آلاف العائلات دون أي مصدر للحصول على قوتها اليومي. كما
أُجبر كثيرون على العودة لاستخدام الحطب للطهي، وسط أزمة خانقة في الغاز والوقود.
وأضاف البيان أن "الأيام القادمة
تحمل مزيدًا من التدهور على الصعيدين المعيشي والصحي"، محذّرًا من عودة شبح المجاعة
نتيجة انعدام الأمن الغذائي والمائي، والانهيار الكامل للمنظومة الصحية.
وهكذا، وإن خفّ ضجيج الطائرات للحظات
في سماء غزة، فإنّ صدى الحصار لا يخفت. صار الجوع سلاحًا يُشهر في وجه المدنيين، والتكيات
التي كانت تُطعم الجائع وتواسي المنكوب، أُغلقت أبوابها قسرًا، يحدّق العابرون بها
بصمتٍ أشدّ قسوةً من الجوع نفسه.