تقارير خاصة

أيّةُ تداعياتٍ لتعديل سعر الصّرف؟ وكيف يقرأ الاِقتصاديّون قرار المركزي؟

تقرير خاص - عبدالعزيز الزغبي

بعد خمسةٍ وعشرين عامًا من الاِستقرار والثبات في سعر صرف الدولار الرّسمي مقابل الليرة، يدخل قرار مصرف لبنان برفع هذا السعر من 1507 إلى 15000 ليرة حيّز التنفيذ مع ساعات الصّباح الأولى.. ليعلن وبشكلٍ رسميّ، نهاية حقبةٍ كانت قد اِنتهت بالفعل مع مطلع العام 2020، حيث بدأ سعر صرف الدولار يشهد اِرتفاعًا كبيرًا في السّوق السّوداء، على حساب العملة الوطنية.

وإذ أوضح الحاكم رياض سلامة أمس أنّ "هذا التعديل يهدف إلى توحيد أسعار الصرف المتعددة في البلاد"، كشف لـ"رويترز" أنّ ذلك يأتي "تماشيًا مع مسوّدة اِتفاق توصّل إليه لبنان مع صندوق النقد الدولي العام الماضي، وحدد شروطًا لتقديم خطة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار".

الخبير الاِقتصاديّ د.نسيب غبريل يؤكّد ما سبق، ويشير إلى أنّ "التعديل يهدف لتحرير سعر الصّرف الرّسمي، ما سيدفع بالعرض والطلب إلى تحديد هذا السّعر، بينما يصبح دور المصرف المركزي هو التدخل الاِنتقائي في السّوق، للجمِ التقلّبات الحادّة لهذا السعر"، لافتًا أنّ "هذا التحرير سيؤدّي إلى الاِستغناء عن السّوق الموازية".

وفي حديثٍ لـ"شبكة الفجر"، يتوقّع الخبير الاِقتصاديّ أنّ "تشهد الأيّام المقبلة تعديلاتٍ أخرى في هذا السّعر"، مشيرًا إلى أنّه "لا يمكن للاقتصاد أن يتعافى في ظلّ أسعار صرف متعدّدة، من أسعار صرف السّحوبات المصرفية إلى سعرٍ للسلع المستوردة، مرورًا بمنصة صيرفة وليس اِنتهاءً بدولار السّوق السّوداء".

وعن آثار هذا التعديل، يقول غبريل: "الخدمات الرسمية من كهرباء واتصالات ارتفعت مسبقًا جراء ارتفاع أسعار المحروقات وغيره، لكنّ الاستيراد سيتأثّر حتمًا بهذا السّعر، وسيتم دفع أسعار السلع المستوردة والقيمة المضافة على سعر الصرف الجديد".

في الوقت نفسه، يشير المتحدّث إلى أنّ "اِرتفاع أسعار السلع والمعاملات التجارية سبق رفع السعر الرسمي بأشواط، تحت ذريعة شراء هذه السلع على دولار السوق السوداء أو عبر منصة صيرفة، وبالتالي فإنّ المزاعم التي تتحدث عن ارتفاع الأسعار نتيجة هذا التعديل غير صحيحة"، وفق غبريل.

وعن مصير دولار السّوق السوداء، والذي تجاوز عتبة الـ 60 ألفًا، يرى د.غبريل أنّ "هذه السوق نتجت جرّاء التراجع الحادّ في تدفّق العملات الصعبة إلى لبنان، وتتحكم فيها عدةّ عوامل منها المضاربون والتجار المستغلّون للأزمات السياسية، وشحّ السيولة من العملات الأجنبية".

ويشدد الخبير على أنّ "انحسار هذا السّوق يعتمد على إعادة الثقة بلبنان عبر ضبط الحدود واحترام المهل الدستورية، كما إجراء الإصلاحات وضمان إستقلالية القضاء وفصل السلطات، فضلًا عن تسهيل دخول القطاع الخاص إلى القطاعات التي تحتكرها الدولة كالكهرباء والاتصالات والنقل، وعندها تنتفي الحاجة إلى هذه السّوق تدريجيًا".

الجدير بالذكر أنّ الاِنهيار الكبير في قيمة الليرة اللبنانية، يأتي في ظلّ اِنعدامِ الاِستقرار السياسيّ – الاِجتماعيّ – وحتّى الأمنيّ، الذي تشهده بيروت منذ السّابع عشر من تشرين الأوّل، عام 2019.

بالمقابل، يرى الخبير الاِقتصاديّ د.بيار الخوري أنّ "هذا التعديل جاء متأخّرًا"، كما يشير إلى أنّه "قاصرٌ لناحية الفجوة الكبيرة بينه وبين دولار السوق السّوداء". ويعتبر الخوري أنّ "قرار المصرف المركزي لن يخدم ما رمى إليه الحاكم سلامة من توحيد أسعار الصرف"، متوقّعًا أن تشهد الأيام المقبلة فروقاتٍ إضافية في هذه الأسعار".

معيشيًا، يؤكّد الخوري أنّ "المواطن سيدفع الضريبة غير المباشرة نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية والقيمة المضافة على السلع والبضائع والتي ستحتسب على السعر الجديد للصرف"، مشيرًا في السياق نفسه إلى أنّ "أسعار المعاملات الرسمية سترتفع أيضًا، اللهمَّ إلا أن تجد الحكومة مداخيل إضافية لتخفيف هذا الارتفاع".

ويتوقّع الخوري لـ"الفجر" أن "يشهد دولار السوق السوداء مزيدًا من الاِرتفاع في الأيام المقبلة نظرًا إلى الحاجة الدائمة للسيولة وطباعة النقد"، وهو يؤكّد ما أكّده نظيره غبريل لجهة "اِرتباط هذا التدهور بغياب الأفق السياسي وغياب أي رؤية جدّية لمعالجة الأزمة الاقتصادية".

في المحصّلة: البلاد في طريقها إلى مزيدٍ من الغرق المؤكّد، ومكابحُ الإنقاذِ السياسيّ والاقتصاديّ.. كلّها معطّلة. دولةٌ يتغذّى الفراغُ الرئاسيّ والحكوميّ فيها على أعمار المواطنين، وعلى جنى أعمارهم أيضًا.. مدّخراتهم تتبخّر، أحوالهم تتعثّر، بينما مصائبهم.. لا تتأخر!

 


أيّةُ تداعياتٍ لتعديل سعر الصّرف؟ وكيف يقرأ الاِقتصاديّون قرار المركزي؟