أشار وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، في
الاستراتيجية الوطنية للصحة - رؤية 2023 التي وضعها، إلى أنّ "لبنان يمر حاليًا
بواحدة من اشد الأزمات وأكثرها تعقيدًا في تاريخه الحديث".
ولفت بحسب ما نشرت وزارة الصحة، إلى أنّه "أدى تزامن
الاضطرابات السياسية والانهيار المالي واستمرار تدفق النازحين ووباء كوفيد 19 إلى إرهاق
شديد لنظام الرعاية الصحية. وفاقم ذلك هجرة الموارد البشرية، ولا سيما الكوادر الصحية
التي تتصف بكفاءات وخبرات عالية. فقد غادر لبنان اكثر من 20% من الممرضات والممرضين،
و40% من الأطباء".
وأوضح الأبيض، أنّه "أدى كل هذا إلى ازدياد الصعوبة
في الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وخاصة مع استمرار الارتفاع في تكاليفها بسبب سياسة
الاعتماد على الاستيراد، والضعف الشديد في القدرة الشرائية. نتيجة لذلك، تدهورت المؤشرات
الصحية كمتوسط العمر ومعدلات وفيات الأمهات والتطعيم عند الأطفال. وعاودت أمراض منسية
كالدفتيريا والكزاز في الظهور ومؤخراً الكوليرا، وتلاشت المكاسب الصحية التي تحققت
في السنوات السابقة".
وشدد على أنّه
"كما ظهر تفاوت كبير بين الاحتياجات الصحية والموارد المتاحة، فقد تقلصت الميزانية
الإجمالية لوزارة الصحة العامة من ٤٨٦ مليون دولار سنة ٢٠١٨ الى اقل من ٣٧ مليون دولار
سنة ٢٠٢٢، وانخفض إجمالي الإنفاق العام على الصحة بأكثر من ٤٠٪. ومع اشتداد الازمة
المالية، اضحى غالبية السكان دون خط الفقر، وارتفعت نسبة تحمل الافراد على نفقتهم الى
اكثر من ٤٠٪ من تكلفة الخدمات الصحية، كما ازداد الاعتماد على المساعدات الخارجية
لضمان ديمومة النظام الصحي".
وكشف أنّ " الاستراتيجية الوطنية للصحة تركز على قضايا
عدة، وهي "تعزيز حوكمة القطاع الصحي، والاعتماد على الأدلة والبراهين لصياغة السياسات
واتخاذ القرارات. كما تسلط الضوء على الحاجة الى استراتيجية للتمويل الصحي تكون الأساس
لإصلاح حالة التجزئة والضعف التي يسببها تعدد الصناديق الضامنة، وتساهم في الوصول الى
تمويل صحي مستدام يقلص من الحاجة الى التمويل الخارجي".
كما تركز الاستراتيجية على "وضع الرعاية الصحية الأولية
كحجر أساس لتقديم خدمات أساسية عالية الجودة وخاصة للشريحة الاكثر هشاشة في المجتمع،
وتكون بمثابة مدخلا للرعاية الثانوية والثالثية، ومركزا لمجموعة من الإجراءات لتحسين
الصحة العامة. وسيؤدي الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية الى وفرة مادية يمكن إعادة
استثمارها في الصحة، وهذا يمهد الطريق لخفض الاعتماد على المساعدات الخارجية في المستقبل.
وسوف تتضمن خارطة الطريق لتعزيز الرعاية الصحية الأولية إعادة تعريف دور وزارة الصحة
العامة في هذا البرنامج، ومراجعة حزم التقديمات الصحية، وإعادة النظر في خطط التمويل".
وأوضح الأبيض،
أنّ "الاستثمار في تعزيز نظم الصحة العامة والتأهب للطوارئ، وهذا امر حتمي لضمان
مرونة النظام الصحي وقدرته على التكيف مع الازمات. يتطلب هذا الامر الاستثمار لتوفير
خدمات اساسية مثل المختبر المركزي ومركز عمليات الطوارئ الصحية وبرنامج مراقبة مقاومة
المضادات الحيوية للميكروبات وغيرها من المشاريع".
وشدد على أن الاستراتيجية تركزّ على "تسليط الضوء على
التحول الرقمي كإجراء أساسي لتعزيز الشفافية والمساءلة والمساهمة في استعادة الثقة
في المؤسسات العامة. كما يعزز اعتماد التحول الرقمي المحافظة على الموارد، وترشيد استعمالها،
كبرنامج تتبع الأدوية الذي يساهم في مكافحة الممارسات الخاطئة والضارة، ويسمح بإنشاء
برامج تجميع البيانات الصحية وبالتالي صياغة سياسات صحية مبنية على المعلومات. وهذا
يتطلب اعداد خطة رئيسية لإنشاء نظام المعلوماتية الصحي الوطني".
ولفت إلى أنّ هذه الاستراتيجية "تطمح إلى تمكين مراكز
الرعاية الصحية والمؤسسات الاستشفائية لتقديم خدمات أفضل مما سيعيد ثقة المواطن في
دولته، وسيساعد القطاع الصحي على المضي قدُماً لتحقيق التغطية الصحية الشاملة. ومن
المعلوم أن الاستثمار في الصحة يساهم في التنمية البشرية والنمو الاقتصادي، وبالتالي
فان له مكاسب تتجاوز الصحة. قد يكون ما تم ذكره هدفا بعيد المبتغى، لكن رحلة الالف
ميل تبدأ بخطوة واحدة".