هواجس العهد من عملية نزع السلاح _


العميد الركن نزار عبد القادر

في خطاب القسم أعلن الرئيس جوزاف عون بأن الدولة ستستعيد سيادتها الكاملة وبأنه لن يكون أي سلاح بلبنان الا السلاح الشرعي بين الجيش والاجهزة الامنية. وجاء البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام ليؤكد على استعادة قرار السلم والحرب، وعلى وحدة السلاح وحصريته بيد القوى الشرعية. في الحالتين فإن السلطة التنفيذية قد اعلنت عن نيتها بحصر السلاح بقوات الدولة العسكرية والامنية.
كان من المتوقع ان تتحرك الدولة من خلال مؤسسة مجلس الوزراء ومؤسسة المجلس الاعلى للدفاع لاتخاذ خطوات تؤسس لاعلان استراتيجية واضحة لتحقيق هدف وحدة السلاح واستعادة السيادة. لكن طال الانتظار ولم تبلور الدولة قراراتها عن كيف؟ وأين؟ ستبدأ بتنفيذ هذه العملية المعقَّدة، والتي قد تهدِّد لبنان من جديد على ابواب حرب اهلية، وخصوصاً بعد ان اعلن امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم عن تمسُّكه بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، والتي كان خطاب القسم والبيان الوزارية على حدٍّ سواء قد اسقطاها واعتبراها بحكم المنتهية الصلاحية، واحياء عملية تنفيذ القرار 1701، والذي وقعته الحكومة وبموافقة الرئيس نبيه بري وموافقة حزب الله الضمنية.
وكان اللافت جداً في هذا الصدد تأكيد الرئيس جوزاف عون إبان زيارته لباريس في 28 آذار الماضي بأن لبنان «يريد استعادة ارضه المحتلة والعودة الى اتفاقية الهدنة لعام 1949»، واضاف الرئيس عون «اننا نحتاج الى محيط مستقر ومنطقة تنعم بالسلام، وانهاء الحروب يحتاج الى نظام عالمي مبني على القيم والمبادئ». بعد هذا الكلام للرئيس عون فإن العودة لاتفاق الهدنة باتت تشكل مطلباً رسمياً لبنانياً، ووسيلة مشروعة لوقف الاعتداءات الاسرائيلية شبه اليومية على لبنان.
وترافقت مع زيارات الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس الى المسؤولين اللبنانيين مع تصريحات مطمئنة حول قرار الرئيس عون لإنهاء السلاح غير الشرعي من خلال حوار سيجري مع حزب الله ومع السلطة الفلسطينية في ما يعود لنزع سلاح المخيمات.
وبالفعل فقد نجح الرئيس عون في التوصل الى اتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إبان زيارته الاخيرة لبيروت الى قرار مشترك بضرورة نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية، واعلنت السلطة اللبنانية خطة من ثلاث مراحل لتنفيذ هذه العملية، وبات من المرجح ان يصل وفد امني فلسطيني الى بيروت قريباً لتنسيق مجريات هذه العملية، والتي يمكن ان تنجح في مخيمات الشمال والبقاع، لكن هناك مخاوف من تعثرها في مخيمات الجنوب، وخصوصاً في عين الحلوة بسبب الوجود الكثيف للتنظيمات المسلحة الاسلامية، بالاضافة الى حماس، والتي لم تعلن موقفاً واضحاً من الاتفاق الاساسي بين الرئيسين عون وعباس.
كان اتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل الذي اوقف الحرب بين اسرائيل وحزب الله قد نص على نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان. وتركزت جهود السلطة في لبنان على التعامل مع سلاح حزب الله جنوبي نهر الليطاني. وجاء اطلاق حماس لرشقة صواريخ باتجاه اسرائيل المفاجئ، بمثابة انذار للبنان وللقوى الدولية حول ضرورة واهمية معالجة السلاح الفلسطيني، وبالتالي تنبُّه الدولة اللبنانية الى مخاطر هذا السلاح، وامكانية تسببه باسقاط وقف اطلاق النار، واندلاع الحرب من جديد.
تدعو مخاطر وجود السلاح بيد حماس ان تعيد السلطات اللبنانية اهتماماً خاصاً للتأكد من نزع سلاح حماس من مخيمات الجنوب. لكن النجاح بهذه المهمة يطرح تساؤلات حول مدى اقتناع حماس وتعاونها مع الجيش اللبناني لتسليم سلاحها؟ كما يطرح سؤالاً حول موقف حزب الله من نزع سلاح حماس، والذي من المعلوم بأنه يحظى برضى إيران ومدعوم من قبلها سواءٌ في غزة او في لبنان.
من المعلوم بأن حماس باتت تشكل تنظيماً مسلحاً داخل المخيمات، ويقدر عديده بحوالى 1500 مقاتل، كما انها تتحالف مع منظمة الجهاد الاسلامي ومع تنظيمات اسلامية مسلحة اخرى، كما ترتبط بقوة مع الجماعة الاسلامية، والتي شكلت ذراعاً عسكرياً للمشاركة القتالية في حرب اسناد غزة.
يمكن في رأينا توقع حصول اشتباكات عسكرية بين الجيش اللبناني وبعض الفصائل الاسلامية، ولن تكون حماس والجهاد الاسلامي ومنظمات اخرى على الحياد. هذا الخطر بالذات سيشكل الهاجس الاساسي الذي سيواجهه الرئيس عون وقائد الجيش رودولف هيكل، ومن هنا تبرز اهمية بدء حوار مع حزب الله لتأمين تعاونه مع السلطة او على الاقل الوقوف على الحياد، وهو امر مستبعد. من المعلوم جيداً لدى السلطات اللبنانية بأن الحرس الثوري وحزب الله يدعمان هذه الفصائل، ويعتبران انها جزءٌ لا يتجزأ من محور الممانعة. هذا بالاضافة الى ان نجاح الجيش اللبناني في نزع سلاح هذه التنظيمات المسلحة سيقوي قرار الدولة العسكري، وسيفتح امامها الطريق للعمل على نزع سلاح الحزب بالكامل. وتؤكد مواقف قيادات حزب الله السياسية والعسكرية رفضها المطلق لأية محاولات مستقبلية لنزع سلاح الحزب.
هناك اعتقاد لدى بعض اطراف السلطة المشاركة في الحكومة ولدى الولايات المتحدة بأن حزب الله يعوّل على السلاح الفلسطيني لاستعماله في مناورة السلطة المطالِبة بنزع سلاحه كسباً للوقت بانتظار تبدّل التوازنات الراهنة وخصوصاً لجهة نجاح ايران في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، حيث ستؤدي عملية الغاء العقوبات الاميركية على طهران، وتحرير مليارات الدولارات المجمدة الى زيادة الدعم السياسي والمالي وبالسلاح للحزب، وبما يعيد تأهيله لاستعادة دوره كاملاً كقوة مؤثرة على لبنان.
في رأينا من المتوقع في ظل المواقف التصعيدية لقيادات حزب الله حول مستقبل المقاومة وسلاحها، ان يلجأ الحزب الى تشجيع حماس وبقية المنظمات الاسلامية الى رفض تسليم سلاحها، ومقاومة اية محاولات لدخول الجيش اللبناني الى المخيمات. اذا نجح حزب الله في تحقيق ذلك، فإنه يكون قد ابعد عن نفسه شرب مثل هذه الكأس المرّة، والتي تتمثل بمواجهات مباشرة مع الجيش، او الدفع باتجاه تخريب السلم الاهلي، والذي سيؤدي حتماً لبدء حرب اهلية جديدة.
سيؤدي أي تقييم موضوعي لعملية نزع السلاح غير الشرعي الى استنتاج ان هناك ترابطاً ما بين سلاح حزب الله وسلاح حماس وبقية الفصائل الفلسطينية التي كانت وما زالت ترتبط بصورة مباشرة بمحور الممانعة. ويذكرنا هذا الاستنتاج بالموقف الذي اعلنه امين عام حزب الله الراحل السيد حسن نصر الله والذي عارض دخول الجيش اللبناني الى مخيم نهر البارد بعد ان غدرت منظمة فتح الاسلام بعناصر احد المراكز العسكرية على تخوم المخيم، حيث فاجأ الجميع بمعارضة العملية العسكرية، واصفاً المخيم بأنه «خطر احمر».
من هنا يبدو ان التؤدة والعقلانية التي يظهرهما الرئيس عون في مقاربته لنزع السلاح غير الشرعي بشقَّيه اللبناني والفلسطيني لها مبرراتها، وهي تنطلق من تقديره بترابطهما في خدمة محور الممانعة واستراتيجية ايران على مستوى الاقليم، ويبدو في نفس الوقت بأن الجيش اللبناني لا يريد اية مواجهة مباشرة مع بيئة الحزب الشيعية او مع الفلسطينيين، وذلك انطلاقاً من حرصه على عدم تهديد انتشاره في الجنوب او قطع طرق امداده باتجاه جنوبي الليطاني.
عبّر الرئيس عون بصراحة عن هذه الهواجس بصورة غير مباشرة في تصريح للتلفزيون المصري، بأنه يحاول معالجة موضوع سلاح حزب الله بتروٍ وبالحوار، وذلك انطلاقاً من ادراكه بأن اي مواجهة مسلحة بين الجيش وحزب الله والفلسطينيين سترتب اثماناً هائلة على لبنان.
في النهاية لا بد ان يتساءل اللبنانيون عن اهداف زيارة وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي لبيروت في هذا الوقت بالذات، الذي بدأت السلطة اللبنانية استعداداتها لبدء عملية نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات وقبل وصول لجنة فلسطينية لمساعدة السلطة على تنفيذ اتفاق عون - عباس بهذا الخصوص.
هل نصدّق عراقجي بأن نزع السلاح هو شأن لبناني، لا تتدخل فيه ايران؟ ان الحكمة تدعونا الى ان نتعظ من نتائج زيارات سابقة لمسؤولين ايرانيين حيث ثبت بأنها قد حملت معها المؤازرة وكل الدعم السياسي والمعنوي لاذرعتها بقيادة حزب الله في مواجهة الدولة وخططها للنهوض بلبنان.

صحيفة اللواء
هواجس العهد من عملية نزع السلاح _ العميد الركن نزار عبد القادر