هل هناك وحدة وطنية في غياب الدولة الوطنية؟ _


العميد الركن خالد حماده

تحوّل اتّفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية من صيغة لإخراج لبنان من المأزق الذي تسببت به حرب الإسناد التي أطلقتها إيران من لبنان عبر حزب الله ووجدت فيها إسرائيل فرصتها المتاحة لفرض واقع جديد إلى نقاش داخلي عقيم يستمد مقوّماته من إنقسام سياسي يعود إلى زمن الوصاية السورية ويتمحور حول عدم تطبيق إتّفاق الطائف، وإيجاد المخرجات للإلتفاف على الدستور وتكريس معادلات خارجة عن روح وثيقة الوفاق الوطني ونصها.
إن ما يحول دون إخراج لبنان من المأزق يكمن في ممارسة المسؤولين أقصى حالات الإنكار للواقع الإقليمي الجديد، وإلقاء تبعة الفشل على لبنانيين سياسيين وأفراد تنسب إليهم تهم التشويش على المسار الدبلوماسي اللبناني والتشكيك بالإجراءات التي تقوم بها الدولة لتنفيذ إتّفاق وقف إطلاق النار، وتحريض الإدارة الأميركية على المسؤولين في لبنان. فهل يعقل أن يمتلك اللبنانيون كأفراد القدرة على النجاح حيث تفشل رئاسة الجمهورية والحكومة ورئيس المجلس النيابي في تغيير الرؤيا الأميركية حيال لبنان، أم أن الجواب المنطقي هو أن ما يقدمه لبنان الرسمي من مسوّغات لا يرقى إلى مستوى الإقناع ؟
لا تزال أصداء الزيارة التي قام بها وفد من وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن القومي الأميركي إلى لبنان موضع إهتمام ومتابعة من العديد من الجهات الإقليمية والدولية المتابعة للوضع اللبناني. لقد أثار الوفد مسألة استمرار تمويل إيران لحزب الله عبر دول مجاورة واستيراد جزئيات يعاد تركيبها لإستعادة قدراته الميدانية، هذا ما تناقلته وسائل إعلام وصحف لبنانية وعربية وأميركية. لكن المفارقة تبقى في استمرار حالة تسويق المواقف حيال الزيارة بين الرئاسات اللبنانية، وتجاهل كيفية التعامل مع المخاطر بدعوة الحكومة للإجتماع ونفي الإتهامات أو مطالبة الأجهزة الأمنية بالتحقق، أو إتّخاذ المزيد من الإجراءات للحؤول دون حصولها.
لقد وصفّ الرئيس نبيه بري خلال لقائه مع مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية الإنقسام السياسي الحاد والواضح حيال المخاطر المحدقة بلبنان بالـ«غزوة» التي تستهدفه شخصياً لأنه «الشجرة المثمرة التي ترشق دائما بالحجارة». وإذ اختصر بري كعادته المؤسسات الدستورية باستعراض لائحة من الخيارات والمواقف المتفرقة في كل اتّجاه، من التفاوض الذي يملي شروطه على الجميع، إلى قانون الفجوة المالية المتوقف بسبب عدم الموافقة على تحميل الدولة المسؤولية عن الديون المستحقة عليها من أموال المودعين وليس انتهاءً بمشروع القانون المتعلق بتعديل قانون الإنتخابات النيابية المخطوف بين السراي الحكومي والمجلس النيابي، فإنه أراد التأكيد أنه لا يتحمل أية تبعة عما وصل إليه لبنان.
وإذ أضاف بري خلال اللقاء بأن يده كانت ولا تزال ممدودة لكل الأشقاء العرب، فإنه حاول من جهة إقناع اللبنانيين بقدرته على العبور بلبنان بالرغم من التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم، ومن جهة أخرى إلقاء تبعات ما يحصل في مسار تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار على من اعتبر أنهم تخلوا عن الوحدة الوطنية، متجاهلاَ الحقيقة الدامغة بأنّ الإنقسام أكبر بكثير من أي محاولة شكلية لإحتوائه أو تصنيفه في خانة النميمة السياسية لتعزيز المواقع الشخصية لبعض اللبنانيين في الخارج، بل أنّ هناك خوفاَ حقيقياَ على مستقبل لبنان تفرضه مجازفات لا مسؤولة محلية وإقليمية.
يقول الرئيس نبيه بري «أعطوني وحدة اللبنانيين وانتظروا مني خروج إسرائيل». فهل الإصرار على تجاهل المخاطر المترتبة على وجود سلاح غير شرعي وعدم المضي بمسألة تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة وتجاهل التمويل الإيراني لحزب الله وإعادة تكوين لقدراته العسكرية يعيد الوحدة بين اللبنانيين؟
وهل يمكن تحقيق الوحدة الوطنية في غياب الدولة الوطنية؟ وماذا يتبقى من الدولة الوطنية حين تطغى الأعراف على الدستور وحين يسقط مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها؟ وماذا يبقى من الديمقراطية البرلمانية حين لا تستطيع أكثرية نيابية إدراج ما تقترحة على جدول أعمال المجلس النيابي؟

صحيفة اللواء
هل هناك وحدة وطنية في غياب الدولة الوطنية؟ _لعميد الركن خالد حماده