هل تضغط واشنطن.. وهل تعترف تل أبيب؟ _ صلاح سلام


صلاح سلام

يعود الموفد الأميركي توم باراك إلى بيروت هذا الأسبوع، حاملاً ما يوصف بأنه الرد الإسرائيلي على الورقة اللبنانية. لكن خلف هذا العنوان البرّاق تختبئ مجموعة من الهواجس التي لا يمكن تجاهلها: هل يحمل باراك فعلاً جواباً جدياً، أم مجرد محاولة جديدة لشراء الوقت، وإبقاء لبنان في دائرة المراوحة والانتظار؟
السوابق لا تبشّر بخير. فإسرائيل لم تُبدِ يوماً استعداداً حقيقياً للاعتراف بحقوق لبنان، سواءٌ في الأرض أو في الثروات البحرية. بل لطالما اعتمدت أسلوب المناورة والمماطلة، والتشدد في الشروط، وفرض وقائع ميدانية بالقوة، لتأتي بعد ذلك الوساطة الأميركية وتعمل على تغليف هذا السلوك تحت عنوان «حلول واقعية» أو «تسويات ممكنة» والنتيجة أن لبنان يُدعى دوماً إلى تقديم التنازلات، فيما يُترك لإسرائيل حق الفيتو على أي تقدم يمكن تحقيقه، بشكل أو بآخر.
إذا جاء الرد الإسرائيلي سلبياً، وهو احتمال كبير، فلن يكون ذلك مجرد رفض لمطالب لبنانية محقّة، بل استمرار لسياسة الاحتلال المقنّع، وإصرار على إبقاء الحدود الجنوبية رهينة الخروقات والانتهاكات اليومية. الأخطر أن هذا الرد السلبي سيعني عملياً أن الوساطة الأميركية وصلت إلى طريق مسدود، لأنها ببساطة غير قادرة ــ أو غير راغبة ــ في ممارسة أي ضغط حقيقي على إسرائيل. فالولايات المتحدة، بحكم تحالفها الاستراتيجي مع تل أبيب، تتعامل مع الوساطة كأداة لتطويع لبنان، لا كوسيلة لفرض التوازن والعدالة.
أما إذا جاء الرد مشوباً ببعض الإيجابية الشكلية، فإن ما سيُطرح على الأرجح هو صيغة «الخطوة خطوة» وهذا العنوان الذي يبدو جذاباً للوهلة الأولى، قد يُخفي في مضمونه فخاً خطيراً، من خلال إعتماد حلول متدرِّجة تعطي إسرائيل كل ما تريده من ضمانات أمنية، فيما يُترك للبنان أن ينتظر طويلاً ما قد لا يأتي أبداً على صعيد الحقوق السيادية والوطنية. التجارب السابقة في ملفات مشابهة تثبت أن إسرائيل بارعة في استثمار الوقت وإستغلال الظروف، وتحويل الحلول المرحلية إلى حلول نهائية تُفرغ المطالب اللبنانية من مضمونها.
الوساطة الأميركية، في هذا السياق، تتحول إلى أداة ضغط أحادية الاتجاه. فبدلاً من أن تسعى إلى كبح جماح التعنُّت الإسرائيلي، تركز جلّ جهودها على إقناع لبنان بالقبول بما هو متاح، أي بما تسمح به إسرائيل. وبذلك يصبح لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع لمنطق القوة، أو الدخول في مواجهة مكلفة لا يريدها أحد، لكنها قد تُفرَض بفعل انسداد الأفق السياسي.
من هنا، لا يمكن للبنان أن يتعامل بسذاجة مع زيارة باراك بوصفها فرصة مفتوحة للحلول، بل عليه أن يُدرك أن سقف التوقعات يجب أن يكون منخفضاً. الرد الإسرائيلي، سواءٌ أتى سلبياً صريحاً أو إيجابياً ملتبساً، لن يغيّر في الجوهر: إسرائيل لا تريد أن تعترف بحقوق لبنان إلا تحت ضغط موازٍ، والولايات المتحدة لا تبدو في وارد ممارسة هذا الضغط.
إن الواجب على الدولة اللبنانية في هذه المرحلة هو التمسك بوحدة الموقف الداخلي، والتحرك على الساحة الدولية والعربية لكشف حقيقة التعنُّت الإسرائيلي، وإبراز قصور الوساطة الأميركية التي تفتقد إلى أدنى درجات الحياد. فالتاريخ أثبت أن ما لا يُنتزع بالنضال الدبلوماسي والسياسي، يُفرغ من مضمونه في غرف التفاوض.
زيارة باراك إلى بيروت لن تكون مفصلاً تاريخياً بحد ذاتها، لكنها مؤشر إضافي على أن إسرائيل ماضية في استراتيجيتها القائمة على إستغلال الوقت والقوة، فيما تواصل الولايات المتحدة لعب دور الحكم غير النزيه. أمام هذه الحقيقة، على لبنان أن يبني حساباته على أسوأ الاحتمالات، وأن يُدرك أن المعركة الحقيقية ليست في مضمون الورقة والرد، بل في ميزان القوى الذي يحكم المنطقة، وفي قدرة اللبنانيين على التمسك بحقوقهم بلا أوهام ولا رهانات خاطئة.

صحيفة اللواء
هل تضغط واشنطن.. وهل تعترف تل أبيب؟ _ صلاح سلام