العميد الركن خالد حماده
أنجز لبنان الإنتخابات البلدية على امتداد أربعة أسابيع أكد خلالها المواطنون التزامهم تطبيق القانون وقدرتهم على الممارسة الديمقراطية، كما أثبتت الأجهزة والمؤسسات الأمنية والإدارية المعنية كفاءتها في أداء دورها وتجاوز الصعوبات المتراكمة على المستويين الأمني والسياسي. وربما في ما قاله رئيس الحكومة حول استخلاص الدروس المستفادة من الإنتخابات البلدية والإستعداد للتحضير للإنتخابات النيابية في العام المقبل أكثر من دلالة أن ما حصل لا يتجاوز في إجراءاته الشكلية ومفاعيله تمرين محاكاة (Simulation) لعملية إنتخابية في دولة إفتراضية تتحفز بصعوبة للتحوّل الى دولة حقيقية في محيط إقليمي له شروطه وضوابطه.
وفي مقابل ذلك المشهد المنضبط الذي قدّمته الأجهزة الرسمية والمواطنون بدت القوى السياسية التقليدية والطائفية كما التغييرية منهكة ومتشابهة إلى حدّ كبير في العجز عن تقديم خطاب إنمائي واعد عبر مرشحيها. لقد مثلت التحالفات الظرفية التي عقدتها تلك القوى إجراء إنسيابياً ـــــ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ـــــــ يتّسق مع حالة الإفلاس وانسداد الأفق السياسي التي تعانيها. بالإضافة إلى ذلك فقد عكست المظاهر الإحتفالية الباهتة التي جرت في بعض القرى والبلدات والمدن صورة لا تبعث على الإطمئنان لتحالفات مؤقتة بين أضداد لن تلبث أن تتحوّل إلى معوّقات داخل العديد من المجالس البلدية.
بعد تمرين المحاكاة الذي تجلى عبر الإنتخابات البلدية والإختيارية، عاد اللبنانيون إلى مشهد واقعي عنوانه التعثر والإرتباك أمام استمرار الطلعات والهجمات الجوية الإسرائيلية على لبنان، بما لا يمكن لذلك الصخب المصطنع ولتلك المبارزات الفلكلورية الفارغة التي رافقت انتخاب المجالس البلدية من مواجهة تداعياته الأمنية والسياسية والإقتصادية الثقيلة على حياتهم ومستقبلهم .
لقد وضعت الإستحقاقات التي توالت على لبنان بعد اتّفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 ومنها مسألة حصرية السلاح وإنسحاب العدو الإسرائيلي من النقاط المحتلة لبنان أمام مسؤوليات جسام، لا زال العهد الجديد يتعامل معها وفق نموذج يهدف لكسب الوقت وإطلاق الوعود والبحث العقيم عن مساحات مشتركة بين صيغ ومقاربات متناقضة. هذا وقد أضافت الملفات التي أثيرت بعد الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى أكثر من دولة عربية وأوروبية، مزيداً من الإستحقاقات المترابطة التي ضيّقت الخناق أمام أي انفتاح عربي أو دولي لمواجهة أزمة إعادة الإعمار والنهوض الإقتصادي وتأمين الظروف لتحفيز الإستثمار.
يأتي في مقدّمة هذه الإستحقاقات إعادة العلاقات اللبنانية السورية الى مسارها الصحيح وفي طليعتها ترسيم الحدود البرية بعد إيداع السلطات الفرنسية لبنان الخرائط والمستندات اللازمة لذلك، ومسألة استلام السلاح من المخيمات الفلسطينية بعد إسقاط رئيس السلطة محمود عباس خلال زيارته للبنان الشرعية عن كل سلاح سواء في غزة أو في لبنان.
تستكمل هذه الإستحقاقات قرار الدولة بحصرية السلاح وتستمد جديتها من احترام الدولة لالتزاماتها، لكن المعالجة السائدة تطرح أكثر من تساؤل مشوب بالقلق حيال إحجام الدولة اللبنانية عن المباشرة باتّخاذ ما يلزم من الإجراءات لوضع المصالح الوطنية في مسارها الصحيح. فهل تقف مواجهة تداعيات الهوية الملتبسة لمزارع شبعا خلف التردد بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا؟ ولماذا لا تُقدم الدولة اللبنانية على المطالبة بعودة المفاوضات بين الدولتين بإشراف الأمم المتحدة أو أي وسيط نزيه تقبل به الدولتان لاستعادة المزارع من كنف الوصاية الإيرانية وتحويلها إلى قضية سيادية لبنانية؟
من جهة أخرى، تظهر المعالجات التي تلت قرار استلام السلاح من المخيمات ومنها تشكيل اللجنة المعنية والخطة المرحلية التي تبدأ من مخيمات بيروت دون الإشارة الى سلاح الفصائل الخاضعة لسلطة طهران، أن مسألة سلاح المخيمات قد أضيفت إلى قائمة الممنوعات الإيرانية إلى جانب سلاح حزب الله وملف ترسيم الحدود اللبنانية السورية. وفي هذا الإطار يصبح تشكيل اللجان ووضع الخطط المجتزأة إجراء في سياق تمرين محاكاة من نوع جديد هذه المرة تستوجبه مستلزمات شراء الوقت وذر الرماد في عيون اللبنانيين لتبرير الفشل المتوقع.
في الإنتخابات البلدية والإختيارية محاكاة خاضها اللبنانيون أملاً بالتوصل لإنتاج سلطة حقيقية وفي تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار ونزع سلاح الميليشيات تمارين محاكاة من نوع آخر تخوضها دولة إفتراضية يأمل اللبنانيون أن تفضي الى دولة حقيقية.
صحيفة اللواء