موقع لبنان في رؤية ترامب لمرحلة ما بعد غزَّة _


العميد الركن نزار عبد القادر

بات الآن من الواضح بأن خطة ترامب لوقف اطلاق النار في غزة، تمهيداً لإنهاء الحرب، ومعه المأساة المستمرة في القطاع منذ سنتين، قد جرى تحضيرها من خلال مناقشات اميركية - اسرائيلية، شارك فيها كُلٌّ من ترامب ونتنياهو، وذلك في جهد مشترك لايجاد نهاية للحرب العبثية الجارية. من المؤكد ان حماس ومعها الوسطاء لم يكونوا على اطلاع على مجريات المحادثات الاميركية - الاسرائيلية، بل عرضت عليهم الخطة بعد انتهاء وضعها.
يبدو واضحاً ايضاً بأن الخطة ستؤدي الى تحقيق مجمل الاهداف التي رفعها نتنياهو، وخصوصاً ما يعود لمسألتي تفكيك التنظيم العسكري لحماس وتسليم سلاحها، وقبولها بالتخلي عن حكم القطاع لمجموعة مستقلة من الفلسطينيين وبرعاية اقليمية واميركية. هذا بالاضافة الى ايجاد نهاية «مشرّفة» للحرب لنتياهو، وبالتالي فتح الباب لاعادة اسرائيل من حالة العزلة الدولية شبه الكاملة، والتي ظهرت جلياً من خلال اعتراف عدد كبير من الدول المؤثرة اوروبياً بالدولة الفلسطينية، وتحوّل الرأي العام في الدول الغربية عن دعم اسرائيل ولصالح الفلسطينيين.
يمكن النظر الى تلقُّف الدول الداعمة لعملية البحث عن وقف اطلاق النار في غزة كمصر وقطر وتركيا لخطة ترامب بايجابية ودعوتها لفريق حماس المفاوض لاعلان قبوله بالخطة الترامبية، انطلاقاً من قناعتها بأن الرئيس ترامب سيشكل الضمانة الوحيدة لإلزام اسرائيل بتنفيذ البنود العشرين التي وردت في الخطة والتي ستؤدي حتماً لانهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في غزة واعادة اعمارها. لكن هذا الامر لن يتحقق بسهولة، وستواجه المرحلة الثانية من الخطة صعوبات، حيث ستشكل التفاصيل المطلوبة من الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني مطبات وعقبات سيكون من الصعب تجاوزها.
في الواقع يمكن التوقف عند عدد من المسائل المعقدة وابرزها:
اولاً: صعوبة تخلي حماس عن سلاحها وتفكيك تنظيمها العسكري.
ثانياً: تشكيل لجنة من التكنوقراط من الفلسطينيين بدعم عربي وباشراف الرئيس ترامب لتأمين ما يشبه الحكومة المؤقتة لحكم القطاع على انقاض حكومة وادارة حماس. ويعتقد السفير حسام زكي الامين المساعد لجامعة الدول العربية بأن الحماس الذي اظهره ترامب في تنفيذ المرحلة الاولى سيؤمن استمرارية الفريق الاميركي في بذل كل الجهود اللازمة لتنفيذ المرحلة الثانية، ومنع اي تخريب اسرائيلي او من قبل حماس او ايران للخطة، وهذا ما يشير اليه إيفاده نائبه فانس الى اسرائيل. وتكمن اهمية خطة ترامب حيث تشكل مدخلاً الى مسار استرايتيجي لتحقيق السلام لمنطقة الشرق الاوسط من خلال السعي لاستكمال اتفاقات ابراهام، والتي تضم دول الامارات والبحرين والمغرب والسودان، مع تركيز الجهود الاميركية لضم المملكة العربية السعودية اليها، وبما يفتح الباب لاقناع العديد من الدول العربية للانضمام اليها وفي طليعتها سوريا ولبنان.
ويتطلَّب الحفاظ على الاستقرار في غزة خلال المرحلة الانتقالية تشكيل قوة سلام دولية، تملك تفويضاً دولياً من مجلس الأمن يحدد مهمتها وتنظيمها وطرائق عملها مع مراعاة تسهيل عملية الاعمار والحفاظ على الامن وحقوق الانسان، ومؤازرة الهيئة المؤقتة في ادارتها للقطاع. لكن وكما هو متوقع فإن الامانة العامة للامم المتحدة تملك التجربة والمعلومات اللازمة لتشكيل مثل هذه القوة مع كل الاطر القانونية لعملها، مع العلم بأن هذه القوة لن تدار مباشرة من قبل الامين العام بل ستخضع لسلطة الهيئة المولج لها ادارة القطاع.
يبدو الآن بأن بعض الدول العربية والاسلامية قد عبرت عن رغبتها للمشاركة عسكرياً في هذه القوة، حيث من المتوقع ان تشارك فيها مصر والاردن واندونيسيا واذربيجان وتركيا ودول خليجية.
ستشكل مسألة تفكيك التنظيم العسكري لحماس والجهاد الاسلامي وتفكيك الوزارات والادارة التي حكمت غزة لفترة تزيد عن عقدين، معضلة تتطلَّب وجود مراقبين دوليين، مع امكانية ان يكون لهيئة مركز التنسيق الاميركي الذي اقيم في غلاف غزة دورٌ اساسيٌّ فيها وبمشاركة مراقبين من عدة دول اوروبية.
تبقى الصعوبات عديدة ومتنوعة في مسار تنفيذ خطة ترامب في غزة والانتقال منها لإنهاء الصراعات الاخرى تحضيراً الى تحقيق السلام الذي عبّر الرئيس ترامب عن طموحه للشرق الاوسط، من هنا فإنه يمكن النظر الى خطة وقف النار وإنهاء الحرب في غزة بمثابة مدخل لعملية السلام الشاملة للمنطقة، وفق رؤية استراتيجية تحدَّث عنها الرئيس ترامب من البيت الابيض واثناء انعقاد قمة شرم الشيخ، والتي وعد خلالها بتحقيق تحوّلات كبرى في الواقع الجيوسياسي والاقتصادي للشرق الاوسط.
لكن، ومع الاسف الشديد، فإن قمة الثالث عشر من تشرين الاول في شرم الشيخ لم تتعدَّ كونها مظاهرة عربية ودولية للاحتفال بالانجاز الذي حققه ترامب بوقف اطلاق النار في غزة، في الوقت الذي كان بامكانها العمل على وضع المبادئ والرؤية الاساسية لتطبيق رؤية ترامب للسلام في المنطقة.
يمكن التفاؤل من كل ما حدث بعد تقديم ترامب لخطة العشرين بنداً، لكنه ما زال من المتوقع ان تُظهر الخروقات بين المرحلة الاولى والمرحلة الثانية مدى هشاشة وقف النار وصعوبة الطريق الى نهاية الحرب، تمهيداً للبحث عن السلام الدائم. ولكن لا بد من الحذر من المفاجآت الأمنية داخل القطاع، وذلك على غرار ما حدث الايام الماضية، والتي استغلتها اسرائيل لاعادة قصف عدة مناطق في القطاع. هذه المخاطر المتوقعة هي محور جهود ويتكوف وكوشنير واللذين سيلتحق بهما نائب الرئيس فانس من اجل تحصين وقف اطلاق النار، والتحضير لاطلاق المرحلة الثانية، وبالتالي فتح المسار لتحقيق رؤية ترامب والتي عبّر عنها بأنها «حدث هام لإنهاء الصراع الفلسطيني، ويتبعه مسلسل خطوات نحو السلام، والتي ستشكل عملية تحوّل لكل المنطقة».
ويعني كلام ترامب هذا بأن المنطقة يجب ان تتحضر لتطوير اتفاقات ابراهام بين اسرائيل وعدد من الدول العربية، وعلى رأسها سوريا ولبنان.
اذا سارت الامور وفق رؤية ترامب وما جاء في اعلان شرم الشيخ، فإن الامور ستتجه نحو وضع اطار مفاوضات لعملية السلام، كخطوة اساسية يوافق عليها جميع الاطراف وتتضمن اعلاناً لكل المبادئ التي ستتحقق في المفاوضات لتحقيق السلام. اما الخطوة التالية فتتركز على وضع اتفاق واطار يحدد فيه مصالح كل الاطراف المشاركة في العملية، والذي يتضمن ملاحق تفصيلية عن خطط وطرائق تحقيق هذه المصالح.
بات من الواضح من محادثات ويتكوف وكوشنير في اسرائيل بأن اميركا تحث الحكومة الاسرائيلية لتحسين علاقاتها مع الفلسطينيين اذا كانت تريد الاندماج مع دول المنطقة، ولذلك فإنه بات من الواضح أيضاً بأن رؤية ترامب تتوسع لتشمل الحدود الشمالية لاسرائيل، اي تحقيق الاستقرار والسلام مع سوريا ولبنان، وبما يستلزم حكماً نزع سلاح حزب الله بالكامل، وبما يترتب على المسؤولين اللبنانيين تنفيذ قرار مجلس الوزراء المتخذ في الخامس من آب الماضي والقاضي بنزع سلاح حزب الله.
من هنا فإنه يجب قراءة ملاحظات براك تجاه سوء اداء السلطات اللبنانية لمسألة حصرية السلاح على انها تعبّر عن خيبة امل الادارة الاميركية من سوء اداء القيادات اللبنانية، في موضوع سلاح حزب الله. وبات من المفروض ان تتحرك هذه القيادات بجدية، فتوقف جميع مناوراتها لتبرير سوء ادائها في تنفيذ حصرية السلاح، وأن تدرك بأن تحذيرات براك من استمرار حالة التأخير والشلل في التنفيذ ستودي حتماً الى قيام اسرائيل بعملية عسكرية واسعة لتدمير سلاح حزب الله.
في هذا السياق، لا بد من تذكير السلطات اللبنانية وانذارها عن امكانية تراجع الاهتمام العربي والدولي بمساعدة لبنان، بما في ذلك المساعدات الموعودة للجيش اللبناني، ويستدعي الامر تنبيه الرئيس بري ومعه قيادة حزب الله من امكانية ربط عملية اعمار القرى الجنوبية المدمرة بنزع سلاح الحزب ووفق الشروط التي حددها براك.

صحيفة اللواء
موقع لبنان في رؤية ترامب لمرحلة ما بعد غزَّة _ العميد الركن نزار عبد القادر