من موسم الصيف إلى الموسم السياسي _ رفيق خوري


رفيق خوري

لبنان المسروق من الداخل منكوب بما ليس في يده من الخارج. لا شيء يهز حرامية الداخل. ولا قدرة على مواجهة المتحكمين في الخارج بالأحداث التي تقود إلى نكباتنا. ففي حرب غزة و"الإسناد" دفع لبنان ثمنًا باهظًا بالدمار والدماء وإعادة الإحتلال الإسرائيلي. وفي الحرب بين إيران وإسرائيل ومعها أميركا خسر اللبنانيون موسم الصيف. ولا أحد يعرف مدى ما يمكن تعويضه في الموسم بعد وقف النار الذي فرضه على تل أبيب وطهران الرئيس دونالد ترامب، عقب احتفاله بالضربة العسكرية الأميركية المذهلة للمنشآت النووية الإيرانية. لكن ما يأمل فيه كثيرون، ويتخوفون من ضياعه، هو الرهان على تحرك الدولة لتجنيب لبنان خسارة نفسه بعد خسارة الصيف، وبالتالي التعويض عن الموسم السياحي بموسم سياسي لا تزال ساعته تدق. فالتخوف هو من أن يستغل بنيامين نتنياهو وقف النار مع إيران عشية المفاوضات المفترضة بين واشنطن وطهران على الملف النووي، لإكمال الحرب على "حزب الله" بحجة أنه يتسلح من جديد، وأن لبنان عاجز عن سحب سلاحه حسب اتفاق وقف الأعمال العدائية. والأمل هو في أن يتحرك المسؤولون لإقفال ملف السلاح عملياً.

ولا حاجة إلى أن يكرر المسؤولون سؤال لينين الشهير: ما العمل؟ فالسؤال الآن هو: لماذا الخوف من العمل، وهو معروف ومعلن ومطلوب محليًا وخارجيًا، ومسجل في مشاريع قوانين وبيانات أولها خطاب القسم للرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام؟ الخوف، لا فقط في ملف السلاح بل أيضًا في ملف الإصلاح. ولا موسم سياحيًا وسياسيًا، ولا إنقاذ اقتصاديًا، ولا مساعدات وإعادة إعمار من دون حل لهذين الملفين.

ذلك أن "الجديد" على قمة السلطة يحوطه "القديم" المتركز في مفاصل السلطة. والتغيير حدث من جهة، ولم يحدث من جهة أخرى. وإذا كان "البرهان الوحيد على طعم الحلوى هو تذوقها"، كما يقول المثل، فإن البرهان العملي على التغيير هو نقل البلد من حال إلى حال. ولا شيء يوحي أن هذا الانتقال جرى أو أقله اكتمل. فالمحاصصة على حالها، لا بل صارت على المكشوف أكثر حتى في الدبلوماسية والقضاء والقوى الأمنية. والنفوذ الإيراني الذي انحسر في سوريا وبلدان عربية عدة لا يزال قويًا في لبنان. والدور الأميركي والسعودي الذي كان وراء الفرصة المفتوحة أمام لبنان يجد مصاعب فيه على عكس التحرك في سوريا.

والصورة ناطقة. حين وصل التغيير إلى الجوهر والأساس في ملفي السلاح والإصلاح، توقف كل شيء أو صار التعثر قويًا. "حزب الله" يرفض، لا فقط سحب سلاحه بل أيضًا التوقف عن التسلح من جديد، والتخلي عن التصرف كأن قرار الحرب والسلم لا يزال في يده، والإيحاء أنه ينتظر الدولة على الكوع كأنها "وكيل" موقت عن "أصيل" هو المقاومة الإسلامية. وأهل المصارف والنافذون معهم ومن حولهم بكل ما استولوا عليه من مال عام وخاص، يضعون جميع أنواع العراقيل أمام إقرار القوانين الملحة لإعادة هيكلة المصارف ومعالجة "الفجوة المالية"، وهذا تعبير خادع عن حال السطو على أموال المودعين بالقوانين والتعليمات و"الهندسات" المالية، وكل ألاعيب رياض سلامة وسطوة النافذين الذين كان يسترضيهم. "فلسفة" النظام، كما شرحها ميشال شيحا في بدايات الاستقلال، هي أن التحالف اللبناني يقوم على إدارة العيش المشترك بالاعتماد على "الخوف السياسي المتبادل والمنفعة الاقتصادية المشتركة". وهذه وصفة لا تصلح حتى لإدارة شركة ناجحة وليس فقط لإدارة دولة. فالخوف السياسي المتبادل لا يبني دولة ولا يجنب السلطة الوقوع في أسر الأزمات السياسية والحروب. والمنفعة الاقتصادية المشتركة معرضة للهزات والخلاف بين الشركاء. والمشكلة أن هذه الوصفة تبدو ثابتة حتى اليوم، وسط ازدياد المخاوف السياسية المتبادلة، وضيق مساحة المنفعة الاقتصادية المشتركة.

وليس قدرًا لا يُرد أن يصح في لبنان القول الإسباني الشهير: "الحياة مطهر طويل تتخلله إقامة موقتة في الجنة والجحيم".

صحيفة نداء الوطن
من موسم الصيف إلى الموسم السياسي _ رفيق خوري