صلاح سلام
قرار تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني في لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، إتخذه الرؤساء الثلاثة على طريقة «مكرهاً أخاك لا بطل»، رغم الجرأة التي إتسمت بها الخطوة الشجاعة، والظروف المعقدة التي أحاطت بها، وقضت بالإقدام عليها.
وكأني بالرؤساء عون وبرّي وسلام قد إستوحوا دروس وعبر «حرب الإسناد»، وما أفضت إليه من عدوان مدمِّر على البشر والحجر، بسبب الرفض المطلق للإصغاء لكلام الموفدين الدوليين، من رؤساء حكومات، ووزراء خارجية ودفاع، ورؤساء أجهزة المخابرات في بلدانهم، وكلهم كانوا يحملون رسالة واحدة: أوقفوا الحرب على حدودكم، نتنياهو يستعد لتوجيه ضربة قاسية لبلدكم.
رفض حزب الله الأخذ بنصائح «الأصدقاء». والحكومة اللبنانية، كانت يومذاك عاجزة عن إتخاذ القرارات الإنقاذية الضرورية قبل وقوع الواقعة، وإنقاذ البلاد والعباد من شر حرب وحشية، أودت بقيادات الصف الأول للحزب السياسية والعسكرية، ومسحت عشرات القرى الجنوبية عن الخريطة اللبنانية.
لم يعد سراً أن الحكومة أقدمت على إتخاذ قرار حصرية السلاح في ٥ آب الماضي، تجنباً لتوسع رقعة الغارات الإسرائيلية، وتجاوباً مع مطالب داخلية وخارجية بضرورة إستعادة قرار الحرب والسلم، وإنهاء ملف سلاح الحزب، تأكيداً لجدية الدولة في بسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية.
قرار رفع المفاوضات في الناقورة إلى المستوى السياسي جاء في خضم التوقعات الديبلوماسية والإعلامية التي كانت رائجة في الداخل والخارج، عن حصول عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، إثر إنتهاء زيارة البابا لاوون الرابع عشر، وبالتالي فقد ساهم هذا القرار في سحب الذرائع من حكومة نتنياهو لشن الحرب المتوقعة، وأظهرت الحكومة بأنها قادرة على إتخاذ القرارات الصعبة في الوقت المناسب.
المفارقة أن حزب الله سارع إلى إستنكار هذا القرار وإعتباره «سقطة إضافية» للحكومة، رغم أن «الأخ الأكبر» الرئيس نبيه برّي موافق عليه سلفاً، لأنه يساعد في حماية البلد عامة، ويحمي بيئة الثنائي من تداعيات حرب جديدة، ليس من السهل تحمُّلها، وأنقاض حرب العام الماضي مازالت تغطي قرى ومناطق شاسعة في الجنوب والبقاع، وأحياء بكاملها في ضاحية بيروت الجنوبية.
بعد أيام قليلة على إعلان الخطوة اللبنانية الجريئة، تبدلت لغة الكلام والتخاطب مع الدولة اللبنانية. الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس وصفت إجتماع الميكانيزم بـ«المثمر»، وذلك للمرة الأولى منذ تولِّيها مهمة المشاركة في هذه الإجتماعات، حيث كانت لغة التحذير والتهديد هي السائدة في تصريحاتها العلنية. الرياض والقاهرة والدوحة أعلنت عن إرتياح كبير للتطور اللبناني الإيجابي. وفد مجلس الأمن أعرب عن تقديره لإنجازات الجيش اللبناني جنوب الليطاني، وتحدث رئيسه بتفاؤل عن عودة الإستقرار والإعمار إلى القرى الحدودية قريباً. واشنطن أعلنت عن مساعدة فورية بحوالي ٩٠ مليون دولار للجيش اللبناني. حتى السفير الإسرائيلي في العاصمة الأميركية وجَّه كلمة «ناعمة»، على حدِّ وصف بعض الإعلام الأميركي، للشعب اللبناني مؤكداً الرغبة بعودة الأمن والإستقرار على الحدود مع لبنان.
إبتعد شبح الحرب الإسرائيلية الشاملة عن وطن الأرز. ولكن ليس ثمة مؤشرات عن توقف «حرب الإستنزاف» الراهنة والغارات والمسيّرات، بحجة منع حزب الله من إعادة بناء ترسانته العسكرية، والحؤول دون تنظيم صفوف وقدرات قواته القتالية، الأمر الذي يضع الواقع اللبناني في حالة عدم الإستقرار، مما يستوجب تحركاً دبلوماسياً، لبنانياً وخارجياً مع الأشقاء والأصدقاء، للضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف التصعيد العسكري وإحاطة مفاوضات الناقورة بأجواء من الهدوء، للتوصل إلى الأهداف المتوخاة من الجانبين.
وكان لبنان شدّد على هذه النقطة بالذات، لا سيّما في المحادثات الثنائية بين رئيس الحكومة والموفدة الأميركية، والذي طالب واشنطن بممارسة الضغط اللازم على تل أبيب لتقديم خطوات على مستوى ما إتخذه لبنان حتى الآن من قرارات ومبادرات شجاعة، للخروج من دائرة المراوحة القاتلة.
ولا نذيع سراً إذا قلنا أن الدولة اللبنانية تقدمت بهذه الإجراءات المشجعة، بعد المحادثات والإتصالات التي أجرتها القاهرة مع بيروت والرياض وواشنطن وتل أبيب، لكسر الجمود السابق في المفاوضات، ولتجنيب لبنان أية ضربة عسكرية جديدة، كان يُعدُّ لها نتنياهو اللهروب إلى الأمام، من ملاحقة المحكمة بتهم الفساد من جهة، ومن المحاسبة عن التقصير الفادح في ٧ تشرين الأول، وسوء إدارة الحرب في غزة، من جهة ثانية.
أهمية الذهاب إلى مفاوضات الناقورة أنها تمت بموافقة الرؤساء الثلاثة، التي جسَّدت وحدة موقف الحكم من أكثر المواضيع الوطنية حساسية وخطورة. كما حظيت بشبه إجماع بين مختلف القوى السياسية والطائفية، في حين بقي حزب الله معارضاً، وبعيداً عن الإجماع الرسمي والشعبي.
لماذا يُصرُّ حزب الله على عزل نفسه، والبقاء بعيداً عن مواكبة خيارات الأكثرية الساحقة من اللبنانيين؟