محمد علوش
لا يمكن فصل المطالب التي تُنقل عن بنيامين نتنياهو في ما يخصّ لبنان، والتي نقلها معه الى لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن السياق الأشمل للحرب المفتوحة التي تخوضها إسرائيل على أكثر من جبهة، ولا عن لحظة دولية تعتقد فيها تل أبيب أن ميزان القوى السياسي يميل لمصلحتها، أو على الأقل يسمح لها بمحاولة فرض وقائع جديدة لا تحتاج الى تفاوض بل الى فرض، وهذا جوهر ما يريده نتانياهو من لبنان في هذه المرحلة.
ما تريده إسرائيل من لبنان، وفق هذا التصور، يتجاوز بكثير مسألة "الوجود المسلح جنوب الليطاني"، فالهدف الحقيقي هو نزع وظيفة حزب الله بالكامل. نقل نتانياهو رؤيته للملف اللبناني الى اميركا، وفيها رفض الوجود المسلح للحزب في جنوب الليطاني، وهذا يعني رفضه عودة سكان القرى الى الحافة الأمامية، منع ترميم القدرات في الجنوب والشمال وكل لبنان، تفكيك القدرات الصاروخية ومصانع المسيرات، والاعتراف الأميركي واللبناني بحقها بالعمل الحر لمواجهة اي تهديد مستقبلي. كل هذا يعني أن إسرائيل تريد لبنان منزوع القدرة على الردع، مكشوفاً استراتيجياً، وخاضعاً لتفوقها العسكري.
الأخطر في هذه المطالب ليس ما يُطلب من الحزب فحسب، فبحسب المعلومات هناك مطالب منتظرة من الدولة اللبنانية تلبيتها، وهي تأكيد الحكومة رغبتها بالسلام مع اسرائيل، وهذا يلتقي مع كلام السفير الاميركي وغيره من المسؤولين الاسرائيليين ايضاً عن أن التفاوض مع لبنان هو ملف منفصل عن الحرب على الحزب، وبالتالي وجهة نظر نتانياهو بما يتعلق بالعلاقة مع الدولة تسعى لفرض انقلاب كامل على التوازنات الداخلية، وهو ما يلتقي مع الرغبة الاميركية بإجراء الانتخابات النيابية بهدف رسم معادلات جديدة في الداخل.
من هنا يأتي دور الولايات المتحدة في الرؤية الإسرائيلية. نتنياهو لا يطلب من واشنطن أن تقاتل عنه في لبنان، بل أن تستمر بالضغط الذي تقوم به وتعمّقه، لناحية منع أي تمويل، تجميد ملف إعادة الإعمار، تعليق الدعم السياسي، وحجب الغطاء الدولي، لأنّ هذه الضغوطات إلى جانب الضغط العسكري المتصاعد يمكن لها بحسب نتانياهو أن تدفع لبنان للقبول بكل ما يُطرح عليه.
كل ما سبق يتم تداوله داخل كيان العدو الإسرائيلي، ولكن السؤال الجوهري هل هذه المطالب تعبّر فعلاً عما تريده إسرائيل، أم أنها وسيلة للوصول إلى ما تريده؟ الجواب الأقرب إلى الواقع هو الاثنين معاً، فإسرائيل تريد تثبيت منطق جديد يقول أن أي تفاوض يبدأ من نزع السلاح، لا من إنهاء الاحتلال أو وقف العدوان، وأن أي واقع جديد سيكون بحسب مصالحها ورؤيتها، والتي قد لا تتضمن خروجاً من البلد ولا وقفاً للنار لاستباحة أمنه وسيادته. أما إمكانية قبول بيروت بهذه الشروط، فهي شبه معدومة، ليس فقط لأن الحزب سيرفضها، بل لأن الدولة نفسها لا تستطيع تحمّل تبعاتها، فالقبول بهذه المطالب، بظل غياب تسوية كاملة تضمن للبنان سيادته وأراضيه، يعني انفجاراً داخلياً، وانقساماً عمودياً، لا يستطيع أحد تحمّل كلفته.
في العام الجديد، ما يحمله العدو الإسرائيلي من تصور للبنان، ليس مشروع سلام، بل محاولة فرض هزيمة سياسية بعد عجز عن فرض هزيمة عسكرية كاملة.
موقع النشرة