لماذا جوزيف عون؟ _ أسعد بشارة


أسعد بشارة

في لقاء جمعه بأحد أعتق سياسيي لبنان، استمع قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهو المستمع الجيد، إلى ما يشبه النظرة البعيدة الرؤية، إلى ما يمكن أن تكون عليه رئاسته، وإلى ما يفترض أن يستمر باتباعه في قيادة الجيش، مع ملاحظة أن الشعرة التي تفصل قيادة اليرزة عن قيادة بعبدا رقيقة جداً، بمعنى أن من يدير فسيفساء الجيش المطواعة بحكم التركيبة العسكرية، لن يصعب عليه إدارة فسيفساء البلد، التي أنتجت المؤسسة العسكرية، ذلك على الرغم من اختلاف ظروف القيادة، بين المؤسسة، وبلد كامل بكل تناقضاته.

جوهر مهمة الجيش حفظ الأمن والاستقرار الداخلي وصيانة الحدود، والترجمة العملية تنقسم إلى شقين لا يبدوان منفصلين: التماهي مع المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، والتماهي أيضاً في تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وفي كلا الشقين، أثبت عون أنه على قدر المهمة، رغم كل اختباراتها الصعبة.

يوجه السياسي العتيق، نصيحة صادقة لقائد الجيش: المطلوب لم شمل البلد بكل مكوناته، لا خلق تيار مسيحي ثالث أو رابع، يضاف إلى الموجود، الذي بات أسيراً للصراع على النفوذ. هكذا فعل فؤاد شهاب، في الجيش والدولة، ولهذا جلس في خيمة على الحدود مع جمال عبدالناصر، نصفها في الأراضي اللبنانية والنصف الآخر في الجمهورية العربية المتحدة، في مغزى واضح على أنه قادر على الموازنة بين توازنات الداخل، وتحديات التعامل مع أي مد جارف من خارج الحدود.

يقترب جوزيف عون من قصر بعبدا، ويقترب القصر منه، وهو باقترابه يمر باختبارات استعد لها. في الجنوب وضع الجيش تحت سقف اتفاق وقف إطلاق النار وباتت المسؤولية ملقاة بالكامل على من وقعوه، وأرسلوه إلى الجيش للتنفيذ. ومع وجود أو انعدام النية السيئة، فالمؤسسة العسكرية أصبحت في الخانة الآمنة. وقعتم الاتفاق، وعليكم تقديم الغطاء السياسي لتنفيذه، والنتائج في الحالتين لا يتحملها الجيش.

يقترب جوزيف عون من قصر بعبدا، ويقترب القصر منه. في انخراط الجيش بمحاربة الارهاب، سجل حافل ومرضي عنه دولياً وداخلياً، ليس فقط عبر حماية الحدود وتفكيك الشبكات وحرب الجرود، بل عبر تعاون وثيق، يبقي لبنان بمنأى عن اللائحة الرمادية أو السوداء. إنه التعاون الدولي الذي ترجم إلى قرار بدعم الجيش وبوضع خط أحمر على أي محاولة لإضعافه، ومن هذه الزاوية يمكن تفسير خروج الجيش من كل الأزمات في لبنان والمنطقة جاهزاً ومعافى.

لماذا جوزيف عون؟ لأن كل ما شهده لبنان منذ عشرات السنوات، وتحديداً منذ أكثر من سنة إلى اليوم، حدد مواصفات لا يمكن تخطيها. مواصفات تقاس بميزان الذهب، في مرحلة تتغير معالمها بسرعة، وتتطلب قليلاً من كل شيء، بما يؤدي إلى انتخاب من تنطبق عليه معايير الداخل وموازين المنطقة.

صحيفة نداء الوطن
لماذا جوزيف عون؟ _ أسعد بشارة