أنطوان فرح
منذ أن تسرّب خبر الإجراءات الجديدة، وقبل صدور التعميم وبدء مصرف لبنان في تطبيقه، لمراقبة حركة الأموال النقدية التي تمر عبر الصرافين وشركات التحويل، انطلقت الأبواق للتصويب على كريم سعيد، واتهامه بالخضوع للإملاءات الأميركية. والغريب أنه جرى ربط هذه الإجراءات، والتي لم يكن قد بدأ تطبيقها بعد، (التعميم صدر في 14 الجاري) بزيارة الوفد الأميركي الذي جال على المسؤولين، بهدف أساسي مُعلن، يتعلق بمكافحة تبييض الأموال التي تستخدم لتمويل الإرهاب، من قبل "حزب الله".
قبل الولوج إلى مضمون الإجراءات الجديدة، وما إذا كانت ستساعد في محاربة التبييض، لا بدّ من التوقف عند الشكل. إذ كيف يمكن لعاقل أن يصدّق أن هذه الإجراءات تقرّرت نتيجة زيارة الوفد الأميركي؟ وهل يعتقد من يروّج رواية من هذا النوع، بأنه يمكن تجهيز برنامج إلكتروني يربط مصرف لبنان بالصرافين، وإعداد استمارة "إعرف عميلك" (KYC) متطورة تتماشى مع المطلوب، ولا توجد فيها ثغرات، في غضون بضعة أيام؟
الترويج لخبرية اأن الإجراء الجديد جاء نتيجة طلب الوفد الأميركي سخيف. لكن الحقيقة أن مصرف لبنان، وليس من اليوم، بل منذ سنوات طويلة، يعمل مع الجهات الأميركية المهتمة بمكافحة التبييض. ولا يخفي أو يخجل بهذه العلاقة، أو بالتعاون مع واشنطن. وقد أرسى هذا التعاون كريم سعيد منذ توليه مهامه.
في عودة إلى التعميم، المُستهدف، لا بد من توضيح الحقائق التالية:
أولًا- إن حاكم مصرف لبنان، ومنذ توليه لمهامه، يولي موضوع محاربة التبييض اهتمامًا كبيرًا، سواء في إطار العمل لرفع اسم لبنان عن اللائحة الرمادية، ومنع انزلاقه إلى اللائحة السوداء، أو في إطار تحصين الوضع المالي في البلد، لاقتناعه بأن سمعة البلد المالية، مدماك أساسي لإعادة لبنان إلى الخارطة المالية العالمية في المستقبل.
ثانيًا- ابتكار الحلول من أجل مكافحة التبييض عبر الأموال النقدية (cash) يدخل في صلب العقد الذي وقعه المركزي مع K2 Integrity، بهدف المساعدة على رفع اسم لبنان عن اللائحة الرمادية. والإجراءات التي اتخذها المركزي في موضوع الصرافين وشركات الأموال، هي باكورة عمل هذه الشركة، بالتعاون مع فريق من مصرف لبنان. وفي الأساس، كان مصرف لبنان يعمل على الفكرة منذ ما قبل التعاقد مع الشركة الأميركية، ولكن بلورة المشروع تمّت بعد توقيع العقد.
ثالثًا- إن المشروع الرقابي الجديد، لن يعرقل الأعمال، كما يدّعي البعض، إلا إذا كان المقصود عرقلة نشاط المبيّضين. إذ إن عمل الأفراد والشركات والمؤسسات الشرعية سيبقى منتظمًا، ولن يواجهوا أية صعوبات، لأن استمارة الـ KYC ستُملأ لمرة واحدة.
رابعًا- مع دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ، سيتكوّن لدى مصرف لبنان مع الوقت بنك معلومات مالية قيّم، قد تتم الإفادة منه مستقبلاً في عمليات مكافحة التهرّب الضريبي أيضًا.
خامسًا- صحيح أنه كلما تشدّدت الرقابة على الصرافين الشرعيين، قد تزداد احتمالات اللجوء إلى الصرافين غير الشرعيين، لكن الصحيح أيضًا، أنه مع الوقت سيصبح التعاون مع هؤلاء الصرافين غير الشرعيين شُبهة، وقد نصل إلى وقت يصعب معه استمرار عمل هؤلاء لأنهم قد يتحولون مع زبائنهم إلى مشبوهين بتهمة التبييض، بما سيؤدّي إلى إقفالهم قسرًا. مع التشديد طبعًا، على مسؤولية الجهات المعنية، وبينها وزارة الداخلية، للعمل منذ الآن على مكافحة وإغلاق هذه المؤسسات غير الشرعية.
في النتيجة، ما بدأه مصرف لبنان، سيستكمله مهما كانت محاولات التضليل أو الضغط متعاظمة. والمتضررون مجرد كارتل من المشبوهين، لن ينجحوا حتمًا في إحراج كريم سعيد بهدف عرقلة ما تعهد بإنجازه.
صحيفة نداء الوطن