قراءة استشرافية لمواقف حزب الله والسيناريوهات الممكنة _


العميد الركن نزار عبد القادر

تدفعني حالة عدم اليقين التي تواجهها السلطة في لبنان في الوقت الراهن الى كتابة هذا المقال برؤية استشرافية وذلك في محاولة لاستكشاف الاحداث والتطورات المستقبلية المتوقع حصولها في لبنان في القادم من الايام، وفي ظل التطورات السياسية التي شهدها بلد الارز خلال السنة الماضية والمتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على المشهدين الدولي والاقليمي خلال هذه الفترة.
بعد سنتين من انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وبعد مخاض سياسي عسير انتُخب العماد جوزف عون كرئيس للجمهورية بأكثرية 99 صوتاً في الدورة الانتخابية الثانية لمجلس النواب بتاريخ التاسع من كانون الثاني عام 2025. تلا الرئيس جوزف عون خطاب القسم والذي ركّز فيه على نقطتين: الاولى اعادة بناء دولة القانون والثانية حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الامنية، والذي لاقى ترحيباً من النواب ومن اكثرية الشعب اللبناني، الذي يتوق منذ عقود الى رؤية دولة قادرة على فرض سيادتها على جميع اراضيها وعلى فرض سلطة القانون على جميع المواطنين وتحقيق العدالة.وخلال اقل من شهر من هذا التطور السياسي الهام جرى تسمية القاضي نواف سلام كرئيس لمجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة.
نالت الحكومة ثقة مجلس النواب بأكثرية 95 صوتاً وذلك بعد مناقشة بيانها الوزاري والذي وعد باجراء اصلاحات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية، كما وعد باعادة اعمار ما هدمته حرب اسرائيل مع حزب الله، وتطبيق القرار الدولي 1701، وفق اتفاقية وقف النار بتاريخ 27 تشرين الثاني 2024، والتي وقعتها حكومة نجيب ميقاتي السابقة. وكان من الطبيعي ان يلتقي البيان الوزاري مع خطاب القسم للرئيس عون، وخصوصاً لجهة حصرية السلاح واستعادة السيادة وقرار السلم والحرب.
تبدّلت بعد هذه التطورات الايجابية الاجواء السياسية والاجتماعية في داخل لبنان، وانفتحت ابواب الحوار الواعد والبنّاء بين لبنان وجميع الدول العربية ومع عواصم القرار على المستويين الاقليمي والدولي. وشعرت شخصياً بأنني مدفوع من خلال اجراء التفاؤل لركوب مغامرة تأليف كتاب جديد بعنوان «جمهورية الحلم والأمل»، متوقعاً ان يكون لبنان قد بدأ مرحلة جديدة تعيده الى زمن الاستقرار والازدهار الاقتصادي، والى استعادة موقعه المميَّز بين الدول العربية والغربية.
كما كان متوقعاً فقد بدأت الحكومة السلامية باعداد مجموعة من القوانين الاصلاحية، والتي أُقرّت في غالبيتها من قبل مجلس النواب، وهي تتلاقى مع المطالب الاصلاحية للدول العربية والغربية المطالبة باصلاحات محدودة كشرط لحصول لبنان على دعم سياسي ومالي من هذه الدول ومن المؤسسات المالية الدولية، وابرزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتحركت في نفس الوقت المساعي العربية والاميركية والفرنسية لحث ودعم الحكومة لدفعها الى اعتماد سلسلة من القرارات تستعيد من خلالها سيادتها من خلال اتخاذ قرار بحصرية السلاح في يد الدولة. وكانت من نتيجة هذه المساعي الاميركية الحثيثة قبول السلطة بورقة اصلاحية اميركية تدعم البرنامج الاصلاحي للدولة، والبرنامج الخاص بتطبيق القرار 1701، تمهيداً لانسحاب اسرائيل من المواقع التي تحتلها، وضمن سياسة الخطوة مقابل خطوة.
بعد طول انتظار دام لبضعة اشهر اتخذ مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ الخامس من آب قراره التاريخي بنزع سلاح حزب الله وبقية الميليشيات بما فيه سلاح المخيمات الفلسطينية، أثار هذا القرار سلسلة من ردود الفعل المتفائلة باقتراب موعد عودة الدولة الفاعلة والسيّدة خلال فترة قصيرة نسبياً تنتهي مع نهاية السنة الجارية. واصدر مجلس الوزراء في السابع من آب قراراً ثانياً كلّف بموجبه الجيش اللبناني بوضع خطة عملانية لتنفيذ قرار حصرية السلاح، خلال مهلة شهر واحد.
جاء رد حزب الله على قرار مجلس الوزراء عنيفاً وواضحاً على لسان امينه العام الشيخ نعيم قاسم، وبتشجيع مكشوف من ايران، برفض تسليم السلاح بشكل قاطع، وبأن السلاح يشكل مسألة وجودية، وبأن اية محاولة لانتزاع هذا السلاح بالقوة ستدفع الحزب لخوض معركة «كربلائية».
انتظر المراقبون بلورة الدولة موقفها من ردود الحزب الرافضة بقوة لقرار مجلس الوزراء، وكان الموعد المرتقب لهذا الامر سيأتي في 5 ايلول موعد تقديم قائد الجيش لخطته لتنفيذ قرار حصرية السلاح. وجاء المضمون مخيباً للآمال، حيث فُهم من خلال التسربيات بأن الخطة تحدّد نهاية العام كموعد لحصرية السلاح في جنوب الليطاني، بينما لم تتحدد آليات او اجندة تنفيذ بقية المراحل الاربع الباقية.
يبدو من الاجواء الراهنة بأن لبنان سيربط بدء عملية حصرية السلاح شمالي الليطاني بشرط وقف العمليات الاسرائيلية والانسحاب من المواقع المحتلة واطلاق الاسرى، وبالتالي من مسؤولية تجميد عملية حصرية السلاح على الجانب الاسرائيلي، وذلك تهرباً من امكانية حصول اصطدام مع حزب الله، وما يمكن ان يجره ذلك من عدم استقرار في الداخل.
في ظل استمرار حزب الله ومن خلفه ايران في تصعيد مواقف التحدي للسلطة اللبنانية لا بد من التساؤل عن مدى قدرة العهد والحكومة على الحفاظ على دعم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وخصوصاً لجهة دعوة المؤتمرات الموعودة لدعم الجيش والحصول على المساعدات والقروض والاستثمارات المالية لبناء الاقتصاد واعادة الاعمار؟.
على صعيد آخر، لا بد ايضاً من التساؤل عن مدى تأثير التطورات الكبيرة والمتسارعة لوقف الحرب في غزة، ولاستعادة الترتيبات الامنية الخاصة باتفاق النص لعام 1974 بين سوريا واسرائيل؟ وماذا لو تبعته عملية تطبيع بين دمشق وتل ابيب؟ وأين سيكون موقع لبنان؟
ويبقى السؤال الابرز عن موقف الولايات المتحدة واسرائيل من بقاء حزب الله مسلحاً في لبنان بعد تفكيك كل الآليات الاخرى المسلحة حول اسرائيل؟
هذه الاسلحة تدفعنا في هذه القراءة الاستشرافية للبحث عن السيناريوهات الممكنة في ظل مثل هذه التطورات السياسية والجيوسياسية، وابرزها: السيناريو الاول: تتحدث الاوساط السياسية والامنية عن امكانية تجدد العمليات الهجومية الاسرائيلية ضد حزب الله لتشمل العمق اللبناني، وذلك من اجل تدمير ما تبقى من قدرات حزب الله لإضعافه واجباره على الاستسلام، اي تكرار سيناريو غزة بخطة جديدة تضعها الادارة الاميركية وبدعم عربي.
السيناريو الثاني: استمرار حزب الله في «عنترياته» في وجه الدولة والتي ستجد نفسها مضطرة تحت الضغوط الداخلية والعربية والدولية الى تنفيذ خطوات رادعة تؤدي الى فلتان حبل الامن، بحيث يجد الجيش والقوى الامنية مجبرين على الدفاع عن مؤسسات الدولة، وبالتالي تكرار السيناريو الذي اعتمده الجيش مع الفلسطينيين في ايار 1973، وذلك بحثاً عن حل لتفلت سلاح حزب الله.
السيناريو الثالث: تواصل ارتفاع مستوى الصراع بين ايران والغرب على خلفية الموضوع النووي او استمرار ايران في تهديد المصالح الغربية واستهداف الشحن البحري، وتهديد اسرائيل وبما يدفع اسرائيل ومعها الولايات المتحدة لاستهداف ايران عسكرياً، وفي خطوة لاسقاط النظام في طهران، وانهاء جميع اذرع ايران المسلحة وعلى رأسها حزب الله.
يبدو من هذه القراءة الاستشرافية بأن جميع السيناريوهات لن تكون في صالح حزب الله، وستهدف جميعها الى نزع سلاحه، وهذا ما ألمح اليه السيناتور الاميركي ليندسي غراهام في تصريحه من قصر بعبدا عندما زار الرئيس عون برفقة طوم براك، متوعداً بأن آخر الدواء الكي العسكري».
في رأينا يبقى السيناريو الاول مرجح الحصول خلال الاشهر او الاسابيع المقبلة، وخصوصاً اذا ما نجحت مفاوضات شرم الشيخ لتطبيق خطة ترامب لوقف الحرب في غزة. كما انه يمكن ان يحدث هذا السيناريو كنتيجة واقعية لحدوث اي من السيناريوهين الثاني والثالث.
ان تعقيدات الوضع الداخلي اللبناني التي يمكن ان تتسبب بها سلوكيات قيادة حزب الله الراهنة، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات المطلوبة من لبنان أميركياً وعربياً، تدعو ان تتوحد رؤية رئاسة الجمهورية مع رؤية رئيس الحكومة، وأن تتوحد جهودها لمواجهة نتائج مواقف حزب الله ومن خلفه ايران الرافضة لقرار حصرية السلاح واستعادة الدولة لسيادتها.
في النهاية لا بدّ من السؤال: هل يدرك قياديو حزب الله خطورة مواقفهم الرافضة لقرارات مجلس الوزراء حول حصرية السلاح، خصوصاً في ظل سلوكية التسامح او العجز التي يتبعونها في مواجهة عمليات القصف والاغتيالات اليومية التي تنفذها اسرائيل؟

صحيفة اللواء
قراءة استشرافية لمواقف حزب الله والسيناريوهات الممكنة _ العميد الركن نزار عبد القادر