قانون الفجوة: الولوج إلى مسار التعافي؟ _ صلاح سلام


صلاح سلام

مع وضع مشروع قانون الفجوة المالية على طاولة مجلس الوزراء اليوم، لمناقشته وإحالته إلى المجلس النيابي، يكون لبنان حقق خطوة كبرى أخرى إلى الأمام، من خلال إستعادة الدولة المبادرة في معالجة الأزمات المالية والإجتماعية التي تتخبط في تداعياتها البلاد والعباد منذ ست سنوات ونيّف.
لا أحد يتوقع أن يكون مشروع القانون مثالياً أو نموذجياً ، ولكنه بلا شك إستطاع أن يرسم خريطة طريق آمنة للإنطلاق في مسار الخروج من دوامة العجز والإفلاس، إلى رحاب الحلول الممكنة التي تساعد على إستعادة الثقة، الداخلية والخارجية، والحفاظ على أموال المودعين، وإعادة رسملة المصارف، بما يمهد لعودة العافية إلى القطاع المصرفي، الذي يبقى المنطلق الأساسي لتنشيط شرايين الإقتصاد الوطني، وتحقيق النهوض الإقتصادي، الذي يحمي الإستقرار الداخلي، ويُعيد لبنان إلى خارطة الإقتصاد الإقليمي والدولي.
لا يمكن التعامل مع القانون العتيد كمشروع تقني بحت، بقدر ما هو أداة مهمة لفتح أبواب المساعدات والإستثمارات الخارجية، على قواعد مطلوبة من الوضوح والشفافية والحوكمة، لرسم صورة جديدة عن لبنان، في إطار الإصلاحات الجذرية التي تقودها الحكومة، والتي تعهد بها خطاب القسم والبيان الوزاري، وذلك رغم الظروف الصعبة التي تحيط بالوضع اللبناني، نتيجة إستمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، وتعثر تنفيذ قرار حصرية السلاح.
لقد شكّل مشروع القانون إعترافاً رسمياً بحقوق المودعين في المصارف، بعدما كان مصير أموالهم ضائعاً بين الخلافات المستحكمة بين الحكومة والبنك المركزي والمصارف، والتي حالت دون التوصل إلى صيغة مقبولة مع صندوق النقد الدولي، فضلاً عن تعطيل مشاريع المعالجات المحلية، وإن كان معظمها لم يصل إلى حد تأمين الحقوق الكاملة للمودعين، كما ينص مشروع قانون الحكومة المطروح أمام مجلس الوزراء اليوم.
الواقع أن المشروع الحالي يؤمن إعادة أموال صغار المودعين، الذين يشكلون ٨٥ بالمئة من عدد المودعين، بحد أقصى مئة ألف دولار ، وحمايتهم من أي إقتطاع مالي ( الهيركات)، كما نص على صرف مثل هذا المبلغ لكبار المودعين، من باب الإنصاف والمساواة بين جميع المواطنين.
بخلاف ما يُروّج له في بعض الأوساط المصرفية، فإن إقرار هذا القانون يسرْع خطوات إعادة تعويم المصارف، من خلال إمهالها خمس سنوات لإعادة رسملة رؤوس الأموال، وإستعادة نشاطها المعهود، والذي إنتزعته منها شركات تحويل الأموال، بسبب تخلي البنوك عن مهامها الأساسية، وعدم تحديث برامج عملها، وتعمد الإقفال المبكر ظهراً، في حين تعمل شركات تحويل الأموال حتى المساء.
هي المرة الأولى التي يظهر فيها لبنان متفاعلاً بشكل إيجابي، مع متطلبات الأشقاء والأصدقاء والمؤسسات المالية الدولية وصناديق الإستثمار العربية، من خلال إعتماد قواعد الحوكمة والشفافية، والإقدام على إتخاذ القرارات الصعبة، ولكنها الضرورية، للحد من مضاعفات الإنهيار المالي، ولفتح أبواب الولوج إلى مسار التعافي، بعدما كانت الحكومات السابقة تسير عكس سير سبل الإنقاذ والإصلاح.
وليس دقيقاً الكلام أن الأموال اللازمة لتنفيذ بنود القانون المقترح، والمقدرة بحوالي عشرين مليار دولار، ستتكفل بالقسم الأكبر منها المصارف، إذ أن توزيع المسؤولية المالية تم بين الأطراف الثلاثة: الدولة والبنك المركزي والمصارف، وبنسب معقولة، على قاعدة تحمل المسؤولية المشتركة لما آلت إلىه الأوضاع المالية المتردية. ولكن جمعية المصارف تحفظت على حجم حصتها المحددة في المشروع المطروح، وطالبت بتحمل الدولة والمركزي العبء الأكبر ، ولو أدّى ذلك إلى بيع قسم من إحتياطي الذهب في مصرف لبنان. وهو الأمر الذي يرفض الرؤساء الثلاثة عون وبرّي وسلام مجرد الخوض فيه.
وثمة نقطة جوهرية وجريئة في مشروع القانون تتعلق بإعادة النظر بالأرباح الكبيرة، و"الإستثنائية" التي حصلت عليها بعض المصارف وعدد من المحظوظين، من خلال ما سمي "الهندسات المالية"، حيث سيتم تكليف شركات تدقيق عالمية وموثوقة بهذا الملف لإسترداد بعض الأموال التي تم صرفها من البنك المركزي بطرق ملتوية.
قد تثير بعض بنود مشروع قانون الفجوة المالية زوبعة من النقاشات والجدل في الأوساط المصرفية والسياسية، قبل وبعد إحالته إلى المجلس النيابي، ولكن الأهم أن
هذا القانون سيبقى نقطة إرتكاز أساسية في عملية الإصلاح المالي والمصرفي، والحفاظ على حقوق المودعين، وتنظيف الودائع من الأموال غير الشرعية، ويجسد الصورة الجديدة للدولة القادرة على إتخاذ القرارات الصعبة، بعد سنوات من العجز والتخبط والتردد والضياع.

صحيفة اللواء
قانون الفجوة: الولوج إلى مسار التعافي؟ _ صلاح سلام