حسين لقرع
في 7 أكتوبر الجاري، أكملت حرب الإبادة في غزة سنتها الثانية، ودخلت الثالثة، وتلوح في الأفُق هذه المرّة بارقة أمل في إنهاء الحرب قريبًا، استنادا إلى خطة ترامب التي قبلتها المقاومة والاحتلال وشرعا في مفاوضات غير مباشرة بالقاهرة بشأن آليات تنفيذها.
خلال سنتين من الحرب، قصف العدوُّ الصهيوني غزة بنحو 200 ألف طن من المتفجِّرات ودمّر نحو 90 بالمائة من مبانيها وحوَّلها إلى مكان غير صالح للحياة، كما ارتكب آلاف المجازر وقتل 76639 مدني، منهم 20 ألف طفل و12500 امرأة، وأصاب 170 ألف فلسطيني بجروح متفاوتة، ومنع الغذاء والمساعدات المختلفة عن السكان ونشر المجاعة على نطاق واسع ما أودى بحياة 460 فلسطيني.
وحدث ذلك كله بدعم أمريكي عسكري وسياسي غير محدود، وصمت غربيّ مفضوح ينمُّ عن التواطؤ مع المجرمين الصهاينة، وعجز عربي وإسلامي مطلق عن نصرة الأشقاء في غزة، بل إنّ بعض الدول المنبطحة لم تتورّع عن تسليط إعلامها المرتزِق وذبابها الإلكتروني العفن و”فقهائها” المتصهينين لمهاجمة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية جرائم الاحتلال.
لكن مقابل هذه الصورة القاتمة، هناك صورةٌ ناصعة رسمها 2.3 مليون فلسطيني بصمودهم في غزة برغم تصاعد المجازر ضدهم وتجويعهم وتدمير بيوتهم وبنيتهم التحتية. وبفضل هذا الصمود أفشلوا مخطط نتنياهو وترامب لتهجيرهم وتحويل غزة إلى "ريفييرا” للشواذ والراقصات وشذاذ آفاق الأرض، وفضّل الفلسطينيون النزوح مرارا داخل أراضيهم على الهجرة إلى الخارج..
وبالموازاة، سجّلت المقاومة ملحمة أخرى في الميدان بعد ملحمة 7 أكتوبر 2023 وخاضت حرب عصابات شرسة ضدّ الاحتلال طيلة عامين كاملين برغم تواضع أسلحتها، ودمّرت المئات من دبّاباته وآلياته العسكرية وقتلت الآلاف من جنوده وأصابت عشرات آلاف آخرين بجروح متفاوتة، وأجبرت مئات الآلاف من المستوطنين على الهجرة العكسية من فلسطين المحتلة إلى الخارج، وأفشلت خطة الاحتلال بتحرير أسراه بالقوة وسحقها عسكريًّا.
وقد اعترف رئيس وزراء العدوّ الصهيوني بنيامين نتنياهو في حوار أدلى به منذ يومين للصحافي اليهودي الأمريكي بن شابيرو بأنّ "حماس لم تُهزم بعد”، كما أكّد إسحاق بريك، وهو جنرال احتياط سابق في جيش العدوّ، أنّ حماس قد جنّدت مجدَّدا 30 ألف مقاتل، ولا تزال تتلقى أسلحة وذخائر عبر أنفاق محور فيلاديلفيا برغم سيطرة الاحتلال عليه، كما أنّها تتلقى أسلحة عبر الطائرات المسيّرة يوميًّا ويقف الجيش أمامها عاجزا…
سياسيًّا، حقّق هجوم "طوفان الأقصى” وصمودُ المقاومة والمدنيين الفلسطينيين على أرضهم طيلة عامين كاملين، الكثير للقضية الفلسطينية التي عادت إلى واجهة الأحداث الدولية من جديد بعد طول تجاهل كاد يطمسها ويصفّيها، وبلغ عددُ الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية 160 دولة من مجموع 193 دولة في الأمم المتحدة، ومنها بلدانٌ غربية كبيرة.
كما يشهد الكيان الصهيوني عزلة دولية غير مسبوقة منذ تأسيسه في 1948 بفعل تنامي الرفض الشعبي العالمي لجرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها يوميًّا في حقّ الأطفال والنساء بفلسطين، إذ خرجت خلال عامين نحو 45 ألف مظاهرة في 800 مدينة تابعة لـ25 دولة أوربية للتنديد بالجرائم الصهيونية النازية وبصمت حكوماتها، ما أجبرها أخيرا على تعديل مواقفها بعد أن أضحت عاجزة عن الاستمرار في سياسة الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم الصهيونية الوحشية التي فاقت كل الحدود.
واليوم، وقد بدأت المفاوضات بشأن خطة ترامب في مصر، يأمل الفلسطينيون أن تفضي إلى إنهاء الحرب وتبادل الأسرى ودخول المساعدات بلا قيود وبدء عملية إعمار غزة،
وإذا كانت حماس مستعدّة لإنهاء الحرب حقنا لدماء الفلسطينيين ووضع حدّ لمعاناتهم القاسية، فإنّ تنازلاتها ستقتصر على تسليم الأسرى الصهاينة جميعا دفعة واحدة، الأحياء منهم والأموات، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة، والتخلي عن حكم غزة للجنةٍ فلسطينية مستقلة، لكنّها لن تسلِّم سلاحها لأنّ ذلك يعني ببساطة تسليم رقبتها للذبح، ونهايتَها العسكرية والسّياسية وكذا نهاية مشروع المقاومة وتحرير الأقصى وفلسطين، وهذه خيانة لدماء الشهداء والتضحيات الجسيمة للفلسطينيين، ولن ترتكبها حماس وباقي فصائل المقاومة من أجل عيون ترامب ومجرمي الحرب الصهاينة.
الشروق الجزائرية