د. وائل نجم
منذ اللحظة الأولى لمعركة "طوفان الأقصى" والعدوان الصهيوني على قطاع غزة انخرط لبنان بشكل مباشر في مواجهات ما تزال مستمرة على الجبهة الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة انطلاقاً من دعم الشعب الفلسطيني في معركته باعتباره يدافع عن الأمّة العربية كلّها في هذه المعركة خاصة بعدما انكشفت نوايا الاحتلال في توسيع مناطق سيطرته من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى" من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق شاملة جزءاً من الأراضي السعودية والكويت؛ وباعتبار درء مخاطر العدوان عن لبنان بشكل استباقي قبل أن يتفرّد العدو بتوجيه ضربة للبنان فيما لو تمكّن من القضاء على المقاومة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية.
وبالنظر إلى الانقسام القائم في لبنان حيال الملفات الداخلية اللبنانية، وعلى الرغم من شبه الإجماع اللبناني على دعم الشعب الفلسطيني في معركته والتضامن معه بشكل واسع، غير أنّ الموقف اللبناني تباين واختلف حيال الآليات والوسائل التي يعبّر بها عن دعم الشعب الفلسطيني.
ففريق رأى أنّ تفعيل المقاومة المسلّحة وإشغال الاحتلال في شمال فلسطين يشكّل أهم وأبرز وسيلة تخفّف عن الشعب الفلسطيني وتستنزف الاحتلال وتجعله ينزل على شروط المقاومة الفلسطينية وبذلك يأمن لبنان شرّ الاحتلال ويشغله عن القيام بأيّ عدوان واسع يطال الداخل اللبناني.
وفريق آخر رأى أنّ الدعم يكون عبر مواقف التضامن الإعلامية وأحياناً السياسية إذا لم يترتّب عليها مسؤولية أمام الإسرائيلي أو أمام المجتمع الدولي، وهؤلاء اعترضوا على استخدام الأراضي اللبنانية في الجنوب منطلقاً لشنّ عمليات على قوات الاحتلال باعتبار أنّ ذلك يمكن أن يجرّ لبنان إلى قلب المعركة.
وأمام هذين الموقفين تمايز اللبنانيون بين من انضمّ إلى هذا ومن انضمّ إلى ذاك، وبرز في هذا الجانب انحياز معظم المرجعيات والشخصيات والقوى الإسلامية السّنّية إلى جانب خيار دعم الشعب الفلسطيني في معركته هذه بكلّ السبل الممكنة والمتاحة بما في ذلك العمل المسلّح أو المقاومة بغضّ النظر عن الأثمان والنتائج التي يمكن أن تترتّب على ذلك، وبرز هذا الاتجاه في مواقف مفتي الجمهورية ومفتي المناطق، وفي أداء رئيس الحكومة، وفي تفعيل الجماعة الإسلامية لجناحها العسكري المقاوم (قوات الفجر)، وفي مواقف واضحة لكلّ القوى والشخصيات في الساحة السُنّية بدعم الشعب الفلسطيني. وهنا وجد هؤلاء أنفسهم بين محورين أو تيّارين يحاول كلّ منما أن يأخذ هذا المكوّن وشخصياته وقواه ومرجعياته إلى جانبه.
فالمحور الداعم للقضية الفلسطينية بالسلاح وبكل أشكال الدعم أراد أن يكون هذا المكوّن بكلّ تلاوينه ضمن هذا المحور على اعتبار أنّ القضية الفلسطينية المركزية هي الميزان الذي يقاس عليه في هذه المرحلة، وبالتالي فإنّ انخراط هذا المكوّن في هذا المحور يعزّز فرص نصر المقاومة الفلسطينية ووقف الحرب.
في مقابل ذلك أراد محور آخر لهذا المكوّن أن لا ينخرط في أي دعم مادي محسوس للشعب الفلسطيني والاكتفاء بالدعم الإعلامي فحسب، وانطلق هذا المفريق من اعتبار أنّ لبنان سيكون في خطر في حال توسّع المواجهات مع العدو وتحوّلها إلى حرب مفتوحة وواسعة، وبالتالي فليس للبنانيين شأن في الدعم المادي المحسوس سيّما بالسلاح والمقاومة.
والحقيقة أنّ هذا المكوّن لا يمكنه أن يتجاهل دعم الشعب الفلسطيني بأي شكّل من أشكال الدعم خاصة وأنّ النوايا الإسرائيلية بالنيل من لبنان بات واضحة ومكشوفة، وبالتالي لم يرَ بأساً في الانخراط بالعمل المقاوم والمسلّح لدعم الشعب الفلسطيني. وفي موازاة ذلك لا يمكن لهذا المكوّن أيضاً أن يتجاهل ضرورة الحفاظ على لبنان وطناً ومساحة تتسع لكلّ اللبنانيين على قاعدة الشراكة الكاملة غير المنقوصة، وعلى قاعدة المواطنة والحقوق والواجبات، وبالتالي فإنّهم معنيّون بشكل رئيسي في طمأنة الشركاء من دون أن يشكّل ذلك معوّقاً أمام الواجب الانساني والوطني والأخلاقي والإسلامي تجاه الشعب الفلسطيني، ومن دون أن يكون أداء هذا الواجب ذريعة لإسقاط الكيان اللبناني وتفسّخه وانهياره، وبهذا الاعتبار اتخذ هذا المكوّن موقفاً زانه بميزان أدق من ميزان الذهب بحيث يظلّ يتمّ فيه الحفاظ على أداء الواجب ضمن القدرة والاستطاعة بموازاة بالحفاظ على الصيغة والنظام القائم على الشراكة الكاملة بين كلّ اللبنانيين، وبهذا الموقف شكّل هذا المكوّن صمام أمام للبنان كما كان على مرّ العقود الماضية.
موقع مجلة ألامان