رفيق خوري
لبنان لا يزال "في انتظار غودو" الذي يأتي ولا يأتي، مع أن أكثر من غودو جاء وتحدّث مع المنتظرين. وليس ما ينتظره المضطرون لإدمان الانتظار سوى ما يعرفون أن مفتاحه في يدهم. فلا فائدة ممّا يحمله المندوبون إذا كنا عاجزين عن أخذه وتوظيفه. ولا خطر على الفرصة المفتوحة إلّا من خوفنا المبالغ فيه على التهدئة، والتصرّف كأن إغضاب الرئيس دونالد ترامب والأكثرية الشعبية المسالمة أخف وطأة من إغضاب الشيخ نعيم قاسم وأهل السلاح من ورائه. فماذا يفعل الموفدون حين تبدو السلطة عاجزة ليس فقط عن سحب سلاح "حزب اللّه" بل أيضًا عن الحؤول دون الحصول على مزيد من الأسلحة؟ بعض الموفدين يقول، وسط حماسته لعقد مؤتمرين واحد لمساعدة الجيش وآخر للمساعدات والاستثمارات في لبنان، إن سبب التعثر والتأخير في إتمام المهمة ليس الفتور العربي والأوروبي بل التردّد اللبناني في تطبيق قرار مجلس الوزراء وخطة الجيش بالنسبة إلى سحب السلاح من "حزب اللّه". وبعضهم الآخر يعيد تذكير السلطة بما التزمته في موضوعي السلاح والإصلاح المالي والمصرفي. والكل يحذر من مخاطر حرب شاملة على طريقة حرب غزة تشنها إسرائيل التي تمارس حاليًا حربًا بالتقسيط من طرف واحد. ولا أحد يرى مجالًا، حتى أمام أميركا للضغط على نتنياهو من أجل وقف الاعتداءات اليومية والخروقات لوقف النار. والظاهر من مسلسل الاغتيالات لكوادر في "حزب اللّه" من البقاع إلى الجنوب، أن "الحزب" لا يزال مكشوفًا أمام إسرائيل، إن كان بالتجسّس البشري أو بالتفوّق التكنولوجي الكبير. فقد اغتيل على الطرقات منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في خريف العام الماضي نحو 300 كادر أو عضو عادي. ولا أحد يعرف مدى الانكشاف الحالي الذي كان كبيرًا جدًا خلال الحرب بحيث جرى اغتيال أمينين عامين والقادة العسكريين في الصفين الأول والثاني.
والمؤسف أن انتظار الموفدين صار موجز السياسة في لبنان. والباقي ثرثرة سياسية وسجالات، واندلاق أحقاد وحقارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي هي عمليًا التشاتم الاجتماعي. ومتى؟ عندما بدأ الشرق الأوسط يتغير وسط التحوّلات الهائلة والتي كانت حرب لبنان بعد "طوفان الأقصى" وحرب غزة، وقبل سقوط النظام السوري وحرب إيران، مسرح هذه التحوّلات وانحسار المدّ الإيراني في العالم العربي.
وليس سلام غزة الذي فرضه وضمنه ترامب سوى حلقة في سلام الشرق الأوسط الذي يراد له أن يكتمل على يد الرئيس الأميركي خلال ولايته الثانية. ولا تتغيّر اللعبة ولو حدثت صدامات عسكرية في القطاع خلال المرحلة الثانية من خطة ترامب. فالتصميم العام هو تنظيم "هندسة" جيوسياسية واستراتيجية في المنطقة. هندسة تبدأ من غزة وتعيد ربطها بالضفة الغربية التي منع ترامب من ضمّها، على الطريق إلى دولة فلسطينية، وبناء دولة وطنية في لبنان. وأخرى في سوريا. أما العراق، فإنه مركز الشدّ والجذب بين أميركا وإيران، لأن بلاد الرافدين هي آخر موقع للمشروع الإيراني بعدما خسرت طهران غزة ولبنان وسوريا. ولن تفيدها صنعاء كثيرًا بعد الدور الذي لعبته خلال الحرب في البحر الأحمر وقصف مطار بن غوريون، لأن تحالفها مع "أنصار اللّه" الحوثيين ينطبق عليه المثل اليمني القائل: "تستطيع أن تستأجر اليمني لكنك لا تستطيع أن تشتريه".
ولا أحد يعرف أين يتوقف التوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان وجنوب سوريا وما إن كان ترامب راغبًا في إنهاء هذا التوغل. لكن المؤكّد أنه قادر على توظيفه في "هندسة" المنطقة. وليست حاجة سوريا إلى الأدوار الخارجية أقل من حاجة لبنان، وإن صارت الأولوية في المساعدات لغزة وسوريا. أما الحاجة إلى الانفتاح في الداخل فإنها في سوريا أكبر منها في لبنان. وإذا كان المطلوب من الرئيس أحمد الشرع تحرير الانتقال الهادئ والبطيء من مرحلة السلفية الجهادية في السلطة إلى مرحلة المشاركة الشاملة لكلّ ألوان الطيف السوري، فإن المطلوب من الرئيس جوزاف عون والرئيس نواف سلام هو حماية التوافق بين معظم المكوّنات في لبنان على سحب السلاح والإصلاحات المالية وبالتالي ضمان الإجماع الوطني على الوضع الجديد ضمن الهندسة الجيوسياسية والاستراتيجية للشرق الأوسط.
والساعة دقت للتخلص ممّا سمّاه فرنسيس فوكوياما "ديمقراطية تنازلية" في لبنان حيث "يتمّ رسم الصلاحيات السياسية وفق الاعتبارات الطائفية والمذهبية".
صحيفة نداء الوطن