د. أحمد موفق زيدان
يبدو أن القوى المتربصة بالعهد السوري الجديد لن تتوقف عن نسج وحياكة مؤامراتها للنيل منه، فقد اندلعت حرائق ضخمة لم يسبق لها مثيل في الساحل السوري، إذ تجاوزت مقرات هذه الحرائق الـ 28 موقعاً، وعلى الرغم من تجنيد الدولة السورية لكل مقدراتها من أجل إطفاء هذه الحرائق، لكنها لم تتمكن من إخمادها، على الرغم من دخول تركيا بطائراتها، وكذلك الأردن لاحقاً عبر الدفاع المدني الأردني، لكن لا تزال الحرائق تأتي على مئات الآلاف من الأشجار، لتحيل عشرة آلاف هكتار إلى رماد..
اللافت أن ما ساعد انتشار الحرائق، الرياح الشديدة في المنطقة، بالإضافة إلى نشر النظام السابق للألغام في تلك المنطقة، وهو ما أعاق تحرك فرق الإطفاء، بالإضافة إلى وعورة المنطقة بشكل عام، مما ضاعف ذلك من مسؤوليات الفرق الإنقاذية.
وزارة الطوارئ السورية برئاسة الوزير رائد الصالح والذي يأتي من خلفية رئيس للدفاع المدني السوري طيلة فترة الثورة السورية، كان مقيماً دائماً في منطقة الحرائق وبلباسه الميداني، ومصمماً على البقاء في المنطقة حتى إخماد النيران، ويتمتع الدفاع المدني السوري بتجارب وخبرات مهمة في هذا السياق، نظراً لدوره المميز طوال فترة الثورة السورية، من التعاطي مع الكيماوي، إلى البراميل المتفجرة وهدمها للبيوت فوق ساكنيها، بالإضافة إلى التعاطي مع كارثة الزلزال التي ضربت سوريا قبل ثلاث سنوات، مثل هذه الخبرات فرض من خلالها نفسه على المجتمع الدولي، حيث كان الكل يتعامل معه بشكل محترم.
تنظيمان مجهولان ادعيا مسؤوليتهما عن حرائق الداخل، أولهما أنصار السنة، وقد شكك البعض بالتنظيم، وبتبعيته لتنظيم الدولة (داعش)، أما الفصيل الثاني فهو لواء درع الساحل والذي تبنى مسؤولية الحرائق، ويعتقد أنهم من فلول النظام السابق، ومما جاء في بيانه (إن الحرائق التي التهمت أراضي وممتلكات ومراكز الجولاني وعصابته من التركمان والعرب السنة هي نتيجة غضب امتد لأشهر من الوعود الكاذبة التي لم تمنح الأمان للعلويين).
على أرض الواقع فإن غالبية المناطق التي تعرضت للحرائق تتبع للعرب السنة، باستثناء بضع قرى تتبع للمسيحيين، وهو ما منح تبني تنظيم درع الساحل مصداقية أكثر، ويبدو أن حالة من الإحباط تنتاب كل قوى الفلول نتيجة التعاون الدولي غير المسبوق مع العهد الجديد، بالإضافة إلى النجاحات المتعددة التي حققها العهد الجديد بالقبض على رؤوس الفلول إن كان ممثلاً بوسيم الأسد أو بضباط كبار عسكريين وأمنيين، فضلاً عن تفكيك خلايا في مدن عدة سعت للإضرار بالأمن والسلم الداخلي.
ولعل أكثر ما أقلق الفلول هو عدم انجرار قوات الحكومة السورية إلى مربعات طائفية يسعى الفلول إلى جر الجميع إليها، إذ ظلت هذه القوات تتعامل بشكل مسؤول، وتساوي بين السوريين جميعاً، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والعشائرية والمناطقية، وهو ما انعكس ذلك في الإشادات الدولية، والزيارات الأجنبية المتواصلة والمستمرة إلى دمشق، مما أحبط الفلول وأفقدهم صوابهم، بإمكانية التعويل على تحركاتهم في زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا الجديدة.
زيادة الرواتب التي أعلن عنها الرئيس السوري أحمد الشرع والتي بلغت ضعفي راتب الموظف أيام النظام السوري، شكَّلت رافعة حقيقية للعهد الجديد، وزادت من شعبيته، وجعلت الشعب السوري يعول على مستقبل أفضل، بينما بالمقابل شكلت خافضة لقوى الفلول الذين فقدوا الأمل في تحشيد وتعبئة الشارع السوري ضد العهد الجديد، خصوصاً بعد أن تم مساندتها ودعمها بتوقيع الاتفاقيات الاستثمارية الضخمة للوزارات السورية مع الجهات الاستثمارية العربية والدولية، وهو الأمر الذي لم يحصل بهذا الحجم في تاريخ حكم الأسدين.
بقي أن نقول إن تعويل الفلول ومن وراءهم على زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا وهمٌ لن يتحقق، وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، حتى يعود الحليب إلى ضرعه، وسوريا العهد الجديد ماضية بجهود أبنائها ودعم إخوانها العرب وكل محب للإنسانية، أما أيتام الأسد وداعموه فليس لهم أي مستقبل في سوريا الجديدة، خصوصاً، في ظل تعاطف ودعم السوريين بكل شرائحهم مع هذه الحكومة، التي أتت بعد تضحيات عظيمة، ليس من السهل على السوريين التفريط بها.
صحيفة الشرق القطرية