دموع التماسيح لن تغسل دماء غزة! _ عصام بيومي


عصام بيومي

لا تغرنكم دموع التماسيح التي تظاهر بذرفِها مسؤولون غربيون في الفترة الأخيرة إزاء غزة، وإعلان رفضهم ما يحدث فيها. ماذا استفادت غزة من بيان أصدرته بعض الدول لم تصل فحواه حتى إلى مستوى إدانة المذبحة إذ اكتفى باستنكار ما سماه «المعاناة الإنسانية»؟ ماذا استفادت غزة طالما أن المجزرة مستمرة ومستعرة والدماء تسيل والبشر يحرقون أحياء، ليلا ونهارا، جهرا وسرا، وفي العلن وفي الخفاء؟

لماذا لا يصل الأمر، لو كانوا فعلا جادين في إدانتهم، إلى استخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة كما حصل لدى التدخل في ليبيا لإسقاط القذافي عام 2011، حيث بدأت التحركات حتى من قبل صدور تفويض مجلس الأمن. ولماذا لا يصل الأمر، لو كانوا فعلا جادين، إلى التدخل الدولي المباشر حتى بدون أي تفويض مثلما حصل في العراق عام 2003، تحت ذرائع عرف العالم كله بعد ذلك أنها كانت كاذبة. ولماذا لا يصل الأمر، لو كانوا فعلا جادين، إلى تحرك الحلف الأطلسي بشكل منفرد كما حصل في بعض المواقف ضد صربيا لوقف مذابح البوسنة والهرسك، وكوسوفو خلال التسعينيات، مع ما فيها من تفاصيل ليست جيدة لذلك الحلف. ولماذا لا يصل الأمر، لو كانوا فعلا جادين، إلى تحرك الطرف الأمريكي بمفرده كما فعل بتدخله في ليبيا عقب حادثة ملهى برلين عام 1986.

لو كانوا جادين حقا لأمكنهم أن يتدخلوا ويختلقوا الأعذار كما فعلوا في حوادث تاريخية كثيرة سابقة كانت أقل خطورة من الوضع الكارثي غير المسبوق في غزة؛ أول وأقسى «محرقة يومية وإبادة جماعية على البث المباشر». ولو كانوا جادين حقا لأمكنهم أن يقطعوا العلاقات مع تل أبيب، أو أن يبادروا إلى فرض حظر على السلاح والتجارة مع ذلك الكيان الذي توفر له أوروبا وحدها ثلث حجم تجارته الخارجية. ولأمكنهم فرض عقوبات، ليس فقط على المستوطنين، ولكن أيضًا على المسؤولين في حكومة الكيان الذين يشرفون على جرائمهم. ولأمكنهم قبل كل ذلك إنفاذ أحكام المحكمة الجنائية الدولية بحق مجرمي الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسهم مجرم الحرب نتنياهو. ولو كانوا جادين لأمكنهم أن يرفعوا بأنفسهم الحصار عن غزة ويفرضوه على الكيان ليجعلوه من المنبوذين. ولو كانوا جادين حقا لأمكنهم، أن يتوقفوا عن تصوير الكيان على أنه حليف ديمقراطي إستراتيجي مشارك في ما يسمونه كذبا «القيم الغربية المتحضرة»!.

إن ما يطيل أمد المحرقة الجارية في غزة ليس هو قوة جيش الكيان الذي فقد سمعته القتالية والأخلاقية بلا رجعة على أيدي أبطال المقاومة والمدنيين الصامدين، ولا هي إمدادات السلاح والمرتزقة التي لا تتوقف تصله من كل حدب وصوب، ولا هي قبته الحديدية التي أسقطت سمعتَها صواريخُ القسام واليمن. ولكن ما يطيل أمد الحرب هي قبة أخرى؛ هي «قبة الإفلات من العقاب الحديدية»، التي توفرها له ذات الدول التي تذرف دموع التماسيح الآن، وفق تعبير الزميلة نسرين مالك الكاتبة بصحيفة الجارديان. هي قبة الحماية السياسية والقانونية التي يوفرها للكيان ما يسمى العالم المتحضر. ولماذا يوفر ذلك العالم تلك القبة الحارسة لهذا الكيان؟!

الإجابة شرحتها بتفصيل في مقال سابق بعنوان «عن إرهاب الدولة و»عولمة الإرهاب»: يا عزيزي كلهم لصوص»! (1-11- 2023)، وجاء فيه: «هم يحمون أنفسهم قبل أن يحموا ذلك الكيان لأنهم جميعا يشتركون في جريمة واحدة مستمرة منذ بداية النظام العالمي الذي سميته سابقا «نظام ويستفاليا».

فهم لصوص أوطان وهم لصوص أرض ليست لهم، وهم لصوص أقوات شعوب مقهورة، وهم لصوص الماضي والحاضر والمستقبل. وهذا الكيان المحتل لفلسطين يمثل لهم واسطة عقد السرقة التي سرقوها قديما».

نحن إذن أمام نظام عالمي متحلل من المبادئ والأخلاق والقيم الإنسانية الحقيقية ولا يعرف إلا قيم الشذوذ والانفلات والعنصرية المقيتة الفجة. نظام لا يعيش إلا على اضطهاد وسرقة ثروات «الأغيار» ومحو ثقافاتهم الأصيلة، لتعميم ثقافته الشيطانية الدخيلة وتراثه المبني على العسف والظلم. ذلك الظلم الذي دفع رئيس وزراء الكيان الأسبق يائير لبيد لمطالبة العالم بكل تبجح بأن يكذب وبأن يصدر الرواية الإسرائيلية فقط، بعد نحو أسبوعين فقط من بدء عملية الإبادة التي يسمونها حربا. ذلك التراث الخبيث الذي يجعل بعض أبواقهم تعلن بلا خوف من عاقبة ولا عقاب أنهم سيواصلون قتل الفلسطينيين لأن العالم يسمح لهم بذلك!

كان من أبرز الشعارات التي ظهرت خلال الاحتجاجات الطلابية على حرب فيتنام، التي واجهت السلطات الأمريكية بعضها بوحشية، شعار تبناه طلاب جامعة نيويورك يقول «إنهم لن يستطيعوا أن يقتلونا جميعا». وكانت هذه هي كلمة السر في انتصار الحركة الطلابية. لكن يبدو الآن أن الكيان المجرم، محميا بـ»قبة الإفلات من العقاب» الغربية، مصمم على مواصلة خطة خبيثة لـ»قتل الفلسطينيين جميعا»، يوما بيوم، وأسبوعا بعد أسبوع، وما دموع التماسيح تلك إلا لإعطاء الكيان مزيدا من الوقت لإكمال جريمته، فإما أن يبيد الفلسطينيين عن بكرة أبيهم أو يضطرهم للرحيل... وهذه مأساة أخرى وتغريبة أقسى من كُل، كُل، ما سبق. وليس لها من دون الله كاشفة.

صحيفة الشرق القطرية
دموع التماسيح لن تغسل دماء غزة! _ عصام بيومي