دار الفتوى مقاومة: مرجعية تعلو على المحاور وتؤكد دعم فلسطين _ أحمد الأيوبي


أحمد الأيوبي

لا يزال مشهد مفتي البقاع الشيخ علي الغزاوي عندما رفع بندقية المقاومة في تشييع شهيد الجماعة الإسلامية أيمن غطمة، مثار اهتمام ونقاش، حيث صدرت مواقف مؤيدة وأخرى معارِضة، وانتظر الرأي العام موقف دار الفتوى لحسم الجدل وتحديد البوصلة، وذلك بعد موجة حادة من السجالات كان أبرزها ما كتبه الدكتور رضوان السيد، واعتبره المدافعون عن الشيخ الغزاوي قاسياً وغير مبرّر، خاصة لاعتباره أنّ التأييد الديني والسياسي والميداني (قوات الفجر – الجماعة الإسلامية) يصبّ في خدمة إيران التي تستغل مشاعر شباب الجماعة، المتوقدة لنصرة فلسطين، لصالحها، فجاء الردّ عاماً من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ومحدَّداً من أمين الفتوى في بيروت الشيخ أمين الكردي، فأعلنت دار الفتوى أنّها المرجعية الراعية لمقاومة أهل السنة ونصرة فلسطين، وأنّها المظلّة الجامعة التي لا يمكن أن تنتمي إلى محور أو دولة أو حزب..
موقف مفتي الجمهورية
قال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في رسالته بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة:"إننا نعتبر أن القضية الفلسطينية يجب وينبغي أن تبقى قضية العرب والمسلمين الأولى، لأنها قضية حق وعدالة.. إننا في لبنان مع هذه القضية المحقة والعادلة ، ومع حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه المغتصبة، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل تراب أرض فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف"، وختم رسالته بالقول:"من لبنان تحية اعتزاز وتضامن مع أبطال الشعب الفلسطيني الصابرين والمقاومين والمرابطين في غزة والمسجد الأقصى وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسائر الأراضي الفلسطينية ".
أمين الفتوى: تسمية الأشياء بمسياتها
أمّا أمين الفتوى في بيروت الشيخ أمين الكردي فكان أكثر تحديداً وتفصيلاً عندما في خطبة الجمعة وفي ذكرى الهجرة إنّ المرجعية الدينية ترفض عزل لبنان عن القضية الفلسطينية وعن التضامن مع أهل الجنوب، وقال:"أنتم تختلفون في السياسة فيما بينكم، ولكن لا تمسوا بمبادئنا، هذه العمائم أكثر من يمشي مع الحق، ولطالما قلنا إنّنا عندما نتكلم عن المواجهة مع العدو الصهيوني، وعن غزة، لا نتكلم من منطلق محورٍ معين، نحن أكثر من قال إنّ هذه المحاور التي تتاجر بفلسطين لا تقدِّم ولا تؤخر، إنّما يحرِّر المسجد الأقصى الربانيون والصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأهل غزة منهم، والصادقون من أهل لبنان منهم، الذين لم تتلوث أيديهم بفتن دخخلية أو بقتل من هنا وهناك.. أما أن يأتي البعضُ الآن لمحاولة التوهين وتخويف علماء أهل السنة من التضامن مع غزة وفلسطين، والزعم بأنّ ذلك يصبّ في مصلحة إيران.. نحن أكثر من واجه المشروع الإيراني.."
وأضاف: "أما الآن فإنّ من يطلب من علماء أهل السنة والجماعة أن يخفِّفوا من خطابهم في دعم فلسطين، فهؤلاء من حيث لا يدرون يخدمون العدو الصهيوني كثيراً.. فلينتبهوا إلى أقلامهم ومجالسهم التي يتكلّمون فيها.. ومن يراجع التاريخ يجد أنّ علماء بيروت كانوا أول من وقفوا مع أهل فلسطين منذ النكبة عام 1948، وقبلها حمل علماء بيروت السلاح معهم، ومن هؤلاء العلماء الشيخ أحمد العجوز والشيخ محمد سوبرة والشيخ محمد الخطيب..".
وأكّد أنّ "عمائم أهل السنة عمائم شريفة، إذا تكلّمت من أجل فلسطين تكلّمت بالحق، لسنا تحت محور ولسنا تابعين لأحد ولن نتبع لأحد فلينبه بعض من يكتب، فقضية فلسطين هي القضية الأم والقضية الأساس".
وأنهى الشيخ الكردي كلامه بالعودة إلى رسالة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في ذكرى الهجرة النبوية، فرأى فيها "موقفاً فاصلاً لكل من يشكِّك بموقف دار الفتوى من قضية فلسطين وهي أنّ رسالة الدار هي الثبات في وجه العدو الإسرائيلي وتحرير فلسطين ونصرة أهلنا في غزة، وأخي وحبيبي سيدي سماحة الشيخ علي الغزاوي، بوركت يداك، فأنت تمثّل كلّ العلماء وكلّ الشرفاء، وهم لا يعلمون أنّنا لا نتمحور في محور، وعمامة العلماء لا تتمحور في محور، ولا تكون تابعة لدولة ولا لحركة ولا لحزب ولا لجماعة.. فكلّ هؤلاء يمشون خلف العلماء، وأنت يا سماحة المفتي الغزاوي أمانة الشيخ خليل الميس بيننا".
السنة وحماس.. والنموذج السني في المقاومة
إنّ الارتباط بين سنّة لبنان وفلسطين لا يمكن فكّه، طالما هناك مظلومية لفلسطين، ورمزية موقف المفتي الغزاوي (وله من اسمه نصيب) المناصر لغزة وفلسطين، وتعاطف السنة مع حركة حماس باعتبارها المقاومة المتقدِّمة في وجه العدو الصهيوني، لا يشمل الجماعة الإسلامية فقط، بل هناك شعور سني عام بضرورة نصرة غزة وحماس.. فقد أحدث "طوفان الأقصى" استنهاضاَ سنياً عاماً في المنطقة العربية، له في بعض جوانبه بُعدٌ عميق يتمثل في التوق إلى نموذج سنّي يوازي الطغيان الإيراني على مشهد المقاومة.
دار الفتوى: المرجعية الراعية
في خلاصة موقف دار الفتوى رسائل تطايرت إلى جميع المعنيين في الداخل والخارج، وقد اتسمت بالوضوح والصراحة، وهي تؤسِّس لمسارٍ يحافظ على المرجعية العامة لأهل السنة والجماعة وعلى استقلاليتها، وكان الموقف من إيران و"حزب الله" واضحاً برفض الانضواء تحت محورها كما لا يُسقط الإشكالية مع الحزب في موقفه من الحروب في المنطقة العربية، كما يعطي هذا الموقف الغطاء للجماعة الإسلامية ويعزّز استقلاليتها واستقلالية الموقف السنّي عموماً، ويؤسِّس لتوازن جديد في معادلة المقاومة، رغم الخلل في موازين القوى بين الجماعة و"حزب الله" غير أنّ غطاء دار الفتوى يصنع التوازن ويعيد لأهل السنة حضورهم التاريخي في المقاومة منذ ما قبل النكبة، كما أشار الشيخ أمين الكردي، ومنذ الرصاصات الأولى التي أطلقتها "قوات الفجر" في صيدا ضد الغزو الصهيوني، ودورها التأسيسي الهام في صنع حالة المقاومة، البعيدة عن التعصّب المذهبي والمتعاوِن مع كلّ الأطياف.
إنّ موقف دار الفتوى والجماعة الإسلامية يُعتبّر عامل حماية للشباب السنّي من الانحراف نحو التطرّف، فهذا التوجّه يمثّل وضع البندقية في المسار الصحيح ويجعل دعاوى التطرّف ساقطة ويعيد التوازن لشخصية الشباب المسلم.
موقف دار الفتوى يستعيد أيضاً الهوية السنية ويرفض ذوبانها في سياسات المحاوِر، ولعلّ هذا العنوان يكون دافعاً لـ"حزب الله" إلى مراجعة سياساته الداخلية والإقليمية بعد كلّ ما جرى في لبنان والإقليم، فأهل السنة يرفضون الصراع المذهبي، لكنّهم لا يضيعون البوصلة، وهناك حاجة إلى إعادة النظر في كلّ ما جرى، خاصة أنّ لبنان لا يمكن إخضاعه لهيمنةٍ آحادية، وهذا يحتاج إلى حوار استراتيجي يعزّز الوحدة الإسلامية ويؤكِّد الشراكة الإسلامية المسيحية، بعيداً عن لغة التخوين.


دار الفتوى مقاومة: مرجعية تعلو على المحاور وتؤكد دعم فلسطين _ أحمد  الأيوبي