خوف الممانعة من حرب التفاوض _ رفيق خوري


رفيق خوري

القتال والتفاوض فصلان في كتاب واحد. لا حرب انتهت أو توقفت إلا على طاولة مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة. ولا مفاوضات فشلت إلا إذا رأى طرف أن الحرب ناقصة ولا بد من إكمالها لتحقيق الأهداف، أو حين يخطئ الطرف الضعيف أو حتى القوي في قراءة مرحلة ما بعد الحرب بعد الخطأ في حسابات الحرب. وإذا كان لبنان يدفع ثمن حروب أكبر منه وضد إرادته، فإنه يسعى في المفاوضات إلى استعادة دوره والحصول على ما يضمن وحدته وسيادته أرضًا وشعبًا وما يفتح أمامه فرصة العودة إلى الازدهار الاقتصادي والحياة السياسية الوطنية. وكما أن "الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى" حسب كلازفيتز، فإن السياسة والتفاوض استمرار للحرب بوسائل ناعمة. ففي حروب لبنان وعليه تتشابك أدوار محلية ضيقة الأفق وأدوار إقليمية ودولية واسعة الأهداف يحتاج تحقيقها إلى ما هو أوسع مما يسمى "الساحة" اللبنانية. وفي المفاوضات والاتفاقات، من تسوية ما بعد أحداث 1958 حتى اتفاق وقف الأعمال العدائية بعد "حرب الإسناد" لغزة التي بدأها "حزب الله"، فإن الغالب هو ترتيبات لتدوير "الستاتيكو" في لبنان وإدارة التغيير في المنطقة.

والجديد هذه المرة هو وجود فرصة مفتوحة للتغيير في لبنان، وسط مخاوف من أن يطغى عليها الستاتيكو. ستاتيكو العزلة العربية والدولية وقوة الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية من دون أي أمل في المساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار. فالأخطاء قاتلة. وهي التي قادت، من غزة إلى لبنان وسوريا وإيران، إلى التحولات المتسارعة وتغيير اللعبة في الشرق الأوسط. فما فرضه "حزب الله" على لبنان هو ربطه بحرب غزة، ودفع ثمنه غاليًا كتنظيم كما دفع لبنان الثمن. وما يرفضه أو يضع له شروطًا أو يخاف من نتائجه هو التفاوض الذي أعلن الرئيس جوزاف عون الاستعداد له في إطار ما بعد وقف الحرب في غزة على طريق "سلام الشرق الأوسط" الذي التزمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن حوله أكثر من عشرين رئيسًا لبلدان عربية وإسلامية وأوروبية. والحجة هي ممانعة "السلام والتطبيع" أي ما ليس مطروحًا في الاستعداد اللبناني للتفاوض حول استعادة الأرض والأسرى وترسيم الحدود البرية.

ذلك أن التفاوض رافق الصراع العربي - الإسرائيلي منذ بدء الحروب. بعد حرب 1948 كانت اتفاقات الهدنة بوساطة الأمم المتحدة وإشرافها في جزيرة رودس بين إسرائيل وكل من مصر والأردن ولبنان وسوريا. وبعد الهزيمة المرة في حرب 1967 أعلن القادة العرب لاءات قمة الخرطوم وهي: "لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف". لكن ما جرى بعدها هو كل أنواع التفاوض ثم الصلح والإاعتراف ومعاهدات السلام بعد حرب 1973 والتي سبقتها اتفاقات "فك الارتباط" في سيناء والجولان وتلاها "اتفاق أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

ثم جاءت "إتفاقات أبراهام" مع بلدان لم تشارك في مواجهة إسرائيل. وإذا كانت سوريا الجديدة اليوم برئاسة أحمد الشرع تفاوض إسرائيل مباشرة على المستوى الوزاري، فإن سوريا في عهد الأسدين الأب والإبن فاوضت إسرائيل مباشرة بإشراف أميركي على مستوى رؤساء الأركان ثم على مستوى وزير الخارجية فاروق الشرع الذي أصبح نائبًا للرئيس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك.

ومن الصعب أن يتوقع لبنان تكرار سابقتين هما انسحاب إسرائيل من دون اتفاق وبلا قيد ولا شرط من الجنوب اللبناني عام 2000 بقرار من رئيس الحكومة باراك، ومن غزة عام 2005 بقرار من الجنرال شارون. فاللعبة هذه المرة تدار على مستوى الشرق الأوسط كله بقوة ترامب وحسابات تركيا وإسرائيل وبلدان عربية مؤثرة بالنسبة إلى العمل على إنهاء المشروع الإقليمي الإيراني وأذرع الحرس الثوري في غزة ولبنان والعراق واليمن. ألم يفاوض "حزب الله" من خلال "الأخ الأكبر" الرئيس نبيه بري وأميركا وفرنسا على اتفاق وقف الأعمال العدائية؟ وما معنى التساؤل حول مشاركة لبنان في مفاوضات غير مباشرة بوساطة أميركية وفرنسية لتخليص أرضه ونفسه؟

"العقل وجد دائمًا عند الإنسان ولكن ليس دائمًا بصورة عقلانية" كما قال ماركس.

صحيفة نداء الوطن
خوف الممانعة من حرب التفاوض _ رفيق خوري