أنطوان فرح
تبدو قضية المودعين وكأنها القاسم المشترك الأول الذي اتفق عليه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون (خطاب القسم) ورئيس الحكومة المكلف القاضي نواف سلام (كلمة ما بعد التكليف). وبذلك يكون عون وسلام قد وضعا الإصبع على الجرح في مسألة حسّاسة حالت حتى اليوم، دون إقلاع خطط التعافي المقترحة، رغم مرور أكثر من خمس سنوات على الانهيار الكبير.
لكن التركيز على الودائع في المواقف المُعلنة لا يكفي وحده للاستنتاج بأن هذه القضية المُحقّة ستسلك طريقها إلى الحل. علينا ألاّ ننسى أن عون وسلام لم يخترعا البارود عندما أدرجا قضية المودعين على لائحة الأهداف التي يسعيان إلى تحقيقها. قبلهما أطلق الرئيس نبيه بري مقولته الشهيرة، والتي يبدو سقفها التعبيري أعلى من أي سقف آخر، عندما وصف الودائع بـ "المقدسة". بعد ذلك، كرّت سبحة مواقف التأييد للحفاظ على الودائع، أو استعادتها، لكنها ظلّت كلها دون سقف القداسة. وبرز النواب بشكل خاص في السباق الكلامي، ربما لأنهم في موقع الباحث عن إرضاء الناس بما تيسّر، ووجدوا في هذه القضية المادة الدسمة لضمان تعاطف الجمهور معهم، وعدم محاسبتهم في يوم الانتخابات.
لئلا يقع العهد والحكومة المقبلة في فخ المبالغة أو بيع الأوهام، على غرار ما حصل منذ خمس سنوات ونيف، هناك سبيل وحيد لمقاربة موضوع الودائع، من خلال تحديد المسؤوليات في الفجوة المالية القائمة، أي البحث الحقيقي عن مصير الأموال غير الموجودة. من أنفقها، أو حتى سرقها، كيف أُنفقت، ما هي المدة التي استغرقها الإنفاق، ووفق أية أوامر أو قوانين حصل هذا الإنفاق. وبعد تحديد المسؤوليات، يبدأ البحث الجدي عن الإمكانات المتوفرة لدى الجهات التي ستقع عليها المسؤولية، في دفع الأموال المسؤولة عن ضياعها.
ولا يحتاج رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة المكلّف إلى كثير العناء للوصول إلى الخطوط العريضة. إذ يكفي أن يستمعا إلى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ويستفسران منه عن "ودائع" المصارف لديه. هل هي فعلاً تصل إلى 86 مليار دولار، بما يعني أن الملاءة المصرفية لإعادة الودائع موجودة دفترياً في حال كان "المركزي" قادراً على تأمين هذه الأموال للمصارف؟ هل صحيح أن المقترضين بالدولار، وبسبب السماح لهم بإعادة قروضهم بالدولار قد أخذوا من أموال المودعين ما بين 15 و20 مليار دولار. (يمكن العودة إلى تقرير صندوق النقد الدولي)؟ أين أنفقت الـ 38 مليار دولار التي كانت موجودة في مصرف لبنان في العام 2018، أي قبل عام واحد من بداية الانهيار؟كم دُفع من هذه الأموال كقروض وسلفات للدولة، وكم أُنفق على ما سُمّي الدعم؟
إذا احتُسبت هذه الأرقام فقط، وقبل الوصول إلى أي تحقيقات جنائية أو محاسبية، سوف يتضح ماذا فعلت "الدولة" بأبنائها وبودائعهم قبيل وبعد الانهيار. ووفق هذه الحقيقة ينبغي أن يتحرّك العهد والحكومة للوفاء بوعد معالجة أزمة الودائع، ضمن الحل الشامل للأزمة. واستناداً إلى واقعية ومصداقية كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، هناك آمال كبيرة معقودة على الرجلين، بأن تنطلق خطة معالجة معضلة الودائع، من هذه الحقائق بالذات.
صحيفة نداء الوطن