محمد علوش
قبل أن يجفّ حبر المرحلة الأولى من خطة الجيش لسحب السلاح في منطقة جنوب الليطاني، وقبل أن تتحوّل هذه الخطوة إلى ورقة تفاوضية بيد الدولة، سارع النقاش اللبناني إلى القفز شمال النهر، كأن الجنوب لم يُستكمل بعد، وكأن الإنجاز مهما كان ناقصاً بنظر البعض لا قيمة له إلا بوصفه تمهيداً لنزع السلاح في كل لبنان بمعزل عن الاحتلال الاسرائيلي والعدوان اليومي. هكذا وجد لبنان نفسه مجدداً يفاوض نفسه، فيما العدو يراقب ويضغط ويصعّد ويهدد، والوسيط الأميركي يكتب أوراقه على قياس تل أبيب حصراً.
لم يكن لقاء باريس لدعم الجيش والتحضير لمؤتمر الدعم سوى تأكيد على الشروط المفروضة على لبنان قبل حصول الجيش على أي مساعدة، وبالتالي التأكيد على أي مؤتمر مساعدة قد يُفرغ من مضمونه إن لم يُستكمل المسار كما تريده العواصم المعنية، وهناك في لبنان من يربط بين موقف رئيس الحكومة نواف سلام بخصوص الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح، وشروط هذا المؤتمر، الى جانب الشروط الأخرى التي يُريد رئيس الحكومة من خلال موقفه أن يقول أن حكومته ملتزمة بها، ولكن بدل أن تستثمر الحكومة ما تحقق جنوب الليطاني لتفرض على إسرائيل خطوة مقابلة، مثل وقف العدوان والانسحاب من النقاط المحتلة، اختارت أن تقدّم التزاماً استباقياً، بلا مقابل، وبلا ضمانات، وهذا ما يدل على نوايا "استسلامية" للبنان.
المرحلة الأولى نفسها لم تُنجز بالكامل، تقول مصادر مقربة من الثنائي الشيعي، مشيرة إلى أن أسباب عدم الإنجاز الكامل معروفة وواضحة وهي الاحتلال، وكان الموقف السابق بأن الانتهاء من هذه المرحلة يتطلب التحرير ووقف العدوان، فكيف لم يتطرق رئيس الحكومة إلى هذه الثوابت، وهل تبدل موقفه منها أم أنه يسعى لكسب رضى خارجي ما أو تحييد نفسه عن أي ضغوطات ستحصل في هذا السياق؟.
كان من الطبيعي، بحسب المصادر، وفق منطق الدولة، أن يُستكمل المسار ببيان واضح يحمّل إسرائيل مسؤولية التعطيل، ويحوّل الإنجاز الجزئي إلى عنصر ضغط سياسي ودبلوماسي، ولكن هناك من قرر أنه بدل أن تُحاصر إسرائيل، وضع لبنان تحت المجهر، وبدل أن يكون الجنوب مدخلاً للتفاوض، صار الشمال عنواناً للابتزاز.
في مقاربة حزب الله، تؤكد المصادر عبر "النشرة" أن ما هو جنوب الليطاني يخضع للقرار 1701، وما هو شماله خارج هذا الإطار، وبالتالي التعامل مع السلاح هناك ليس مسألة إجراءات عسكرية أو أمنية، بل شأن سيادي يرتبط بالاستراتيجية الدفاعية، وبسؤال أبعد من السلاح نفسه، هو من يحمي لبنان؟ ومن يضمن ألا يتحوّل نزع السلاح إلى تمهيد لعدوان جديد؟ مشيرة إلى أن الواقع الحالي لا يؤشر إلى وجود نية تصعيد داخلي، أو حصول صدامات، وهناك في رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي من يحاول ضبط المسار، ولكن لن يتعامل الحزب مع المسألة شمال الليطاني كما تعامل معها جنوبه.
وتختم المصادر بسؤال جوهري اليوم، وهو على ماذا يفاوض لبنان إن أنهى وجود السلاح؟ ما هي المكاسب؟ ما الضمانات؟ وهل الإنجاز جنوباً سيُترجم وقفاً للعدوان وانسحاباً إسرائيلياً، أم سيُستخدم فقط كدليل "حسن سلوك" يفتح شهية الخارج للمزيد من الشروط؟.
موقع النشرة