ديفيد إي. سانغر وزولان كانّو-يونغز
غالباً ما عُرف عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الغموض، مظهراً عزوفاً عميقاً عن التقيّد بالتفاصيل ورغبةً في الحفاظ على أكبر قدر ممكن من حرّية الحركة في أفعاله المستقبلية. لكن هناك مجالاً يكون فيه الوضوح بالغ الأهمية: حين يتحدّث الرؤساء عن خططهم بشأن الأسلحة النووية الأميركية.
في نهاية الأسبوع الماضي، ناقض الرئيس ووزير الطاقة (المسؤول عن تطوير الترسانة النووية وصيانتها) بعضهما البعض، في مسألة حاسمة تتعلّق بما إذا كانت الولايات المتحدة على وشك كسر المحظور المستمر منذ 3 عقود بشأن إجراء تجارب نووية تفجيرية.
باختصار، ضاعف ترامب تمسّكه بفكرة أنّه أمر باستئناف التجارب النووية التفجيرية، التي امتنعت عنها الولايات المتحدة منذ 33 عاماً، لمضاهاة ما يزعم أنّه تفجيرات نووية سرّية تحت الأرض، يُفترض أنّها أُجريت من قِبل روسيا والصين ودول أخرى تمتلك أسلحة نووية. لكنّ هذا الادّعاء رُفض من قِبل العديد من الخبراء النوويِّين، وكذلك من مرشح ترامب نفسه لقيادة القيادة الاستراتيجية الأميركية المسؤولة عن الأسلحة النووية المحمولة براً وبحراً وجوّاً.
وأوضح ترامب لبرنامج «60 دقيقة» على شبكة CBS: «إنّهم يجرون تجارب عميقة تحت الأرض فلا يعرف الناس بالضبط ما الذي يحدث في التجربة. تشعر باهتزاز بسيط. ونحن لا نجري تجارب. علينا أن نجريها»، مشيراً إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية وغيرها.
الأحد، بدا كريس رايت، وزير الطاقة، وكأنّه يناقض الرئيس، عندما أشار إلى أنّ الولايات المتحدة لا تنوي إجراء تجارب تفجيرية جديدة، بل ستستمر فقط في تجاربها المنتظمة لمكوّنات وأنظمة الأسلحة النووية، للتأكّد من أنّها تعمل بشكل صحيح.
وأوضح رايت لشبكة «فوكس نيوز»: «ستكون هذه تفجيرات غير نووية. نحن نطوّر أنظمة متقدّمة فقط حتى تكون أسلحتنا النووية البديلة أفضل حتى ممّا كانت عليه من قبل».
وأسفرت هذه الرسائل المتناقضة عن وضع غير عادي، إذ إنّ الرئيس، الذي يرافقه دائماً مساعد يحمل «الحقيبة النووية» التي تحتوي على الرموز والخيارات النووية، لا يستطيع التوافق مع أحد أبرز وزرائه، بشأن كيفية تعامل الحكومة الأميركية مع أخطر أسلحة العالم.
كانت تجارب تفجير الرؤوس النووية سمة متكرّرة خلال الحرب الباردة، بدأت بتجارب فوق سطح الأرض في الخمسينات والستينات، ثم تحوّلت إلى تفجيرات تحت الأرض. لكنّها لم تعُد شائعة، إذ التزمت القوى العظمى الكبرى إلى حدٍّ كبير بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، على رغم من أنّها لم تُصادق رسمياً ولم تُدخَل حيّز التنفيذ.
لم تُجرِ الولايات المتحدة أي تجربة نووية منذ عام 1992، ومع استثناءات قليلة (مثل الهند وباكستان في عام 1998) التزمت الدول الأخرى أيضاً بحظر التجارب.
لكنّ ترامب ربما كان يشير إلى الجدل الدائر داخل وكالات الاستخبارات والمختبرات الوطنية بشأن ما إذا كانت الصين وروسيا قد أجرتا تجارب محدودة النطاق. ووفقاً لبعض التفسيرات، شملت هذه التجارب تفاعلات نووية مكتفية ذاتياً، تُعرف في الأوساط النووية باسم «التجارب الحرجة». إلّا أنّ الأدلة على ذلك غامضة، والخبراء يختلفون حول مدى صدقيّتها. جادل بعضهم بأنّ على الولايات المتحدة أن تردّ بإجراء تجارب مماثلة.
نشر جون راتكليف، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، أنّ ترامب «كان على حق» في مزاعمه بشأن التجارب النووية الروسية والصينية، مشيراً إلى مقال نُشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2020 عن تجارب نووية صينية، يُشتبه في أنّها محدودة النطاق، بالإضافة إلى تعليقات من خطاب ألقاه مدير وكالة استخبارات الدفاع عام 2019 جاء فيه، أنّ روسيا «ربما لا تلتزم بوقف التجارب النووية»، وأنّ تجاربها «أنتجت طاقة نووية».
رفض مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية التعليق على منشور راتكليف. لكنّ إشارة رايت إلى «تفجيرات غير نووية وتفجيرات غير حرجة» بدت وكأنّها تستبعد احتمال أنّ الولايات المتحدة تُخطِّط لإجراء تجارب مماثلة.
الدولة الوحيدة التي أجرت تجارب نووية تفجيرية كاملة في ربع القرن الماضي هي كوريا الشمالية، وكانت آخر تجربة لها في أيلول 2017.
وأعلن ترامب أثناء رحلة دبلوماسية إلى آسيا، أنّه أمرَ ما يُسمّيه «وزارة الحرب» (وزارة الدفاع) باستئناف التجارب. وأقرّ مسؤولون أنّ هذا الإعلان فاجأ مساعديه، وتضمّن أخطاءً. إذ كشف ترامب أنّ الولايات المتحدة تمتلك أكبر قوة نووية في العالم، بينما تملك روسيا أكبر ترسانة. كما أنّ الجهة المسؤولة عن التجارب النووية هي وزارة الطاقة، لا البنتاغون.
كان توقيت المنشور لافتاً، إذ جاء قبل دقائق من لقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ.
خلال المقابلة مع شبكة CBS، سألت المذيعة نورا أودونيل: «هل تقول إنّه بعد أكثر من 30 عاماً، ستبدأ الولايات المتحدة بتفجير أسلحة نووية لأغراض الاختبار؟». فأجاب ترامب: «أقول إنّنا سنجري تجارب على الأسلحة النووية كما تفعل الدول الأخرى، نعم». فردّت أودونيل مذكّرةً بأنّ الدولة الوحيدة التي أجرت تجربة لرأس نووي أخيراً هي كوريا الشمالية، وأنّ روسيا أجرت تجارب على أنظمة الإطلاق، لا على الرؤوس نفسها.
رفض ترامب هذا القول، وادّعى أنّ روسيا والصين كانتا تُجريان تجارب نووية سرّية من دون علم شبكة الخبراء والعلماء والحلفاء الدوليِّين الذين من المرجّح أن يكتشفوا خطوة دراماتيكية كهذه.
بدت تصريحات ترامب حول التجارب النووية التفجيرية مفاجِئة لآخرين في إدارته. فقبل يوم واحد فقط من تأكيده أنّ روسيا والصين تجريان تفجيرات نووية تحت الأرض، أوضح نائب الأدميرال ريتشارد كوريل، مرشح ترامب لقيادة القيادة الاستراتيجية الأميركية، أمام الكونغرس: «لا الصين ولا روسيا أجرت تجربة نووية تفجيرية».
ورفضت متحدّثة باسم البيت الأبيض الإجابة عن أسئلة حول ادّعاء ترامب بأنّ الصين وروسيا تجريان تفجيرات تحت الأرض، أو حول التناقض بين تصريحاته وتصريحات رايت، وأحالت الصحافيِّين إلى مقابلة ترامب.
كما رفض بن ديتدريش، المتحدث باسم وزارة الطاقة، الإجابة عن أسئلة محدّدة بشأن التجارب التي أمر بها ترامب، مكتفياً بالقول إنّ رايت «يفتخر باتباع توجيهات الرئيس ترامب لتوسيع نطاق التجارب النووية».
ولم يصف المسؤولون الأميركيّون طبيعة المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتجارب الصينية أو الروسية، حتى لا يُقوّضوا قدرة الولايات المتحدة على جمع تلك المعلومات مستقبلاً. لكنّهم أوضحوا إنّ تعقّب البرامج السرّية للتجارب، ولا سيما تلك التي تنتهك المعايير الغربية، كان ولا يزال أولوية قصوى لوكالات الاستخبارات الأميركية.