د. محسن محمد صالح
بالنسبة لكثير من الأمريكيين المحافظين، يبدو ترامب «بطلاً مُنقذاً» في مواجهة وضع أمريكي متدهور؛ ولكن، هل يستطيع ترامب مواجهة التحديات ولعب دور «المنقذ»، أم أنه سيُسرِّع من تدهور الوضع الأمريكي داخلياً وخارجياً؟. في منظومة الحياة الأمريكية تظهر مجموعة من الإشكالات الخطيرة تشمل تصاعد حالة الاستقطاب السياسي، والشد المتبادل بين اليمين المتشدد واليسار المتشدد، وتزايد الفجوة الاقتصادية المالية بين الأغنياء والفقراء، وتصاعد الديون الحكومية إلى مديات بدأت تخرج عن السيطرة، واتساع المشاكل المرتبطة بالهجرة واللجوء، وزيادة مظاهر العنصرية والتوترات الاجتماعية، والعجز المتزايد لدى الطبقات الاجتماعية المتوسطة عن توفير الرعاية الصحية والتعليمية وشراء المساكن، وزيادة مظاهر العنف المسلح والجريمة.
سياسات ترامب
يرى ترامب وفريقه أنه من أجل استعادة عظمة الولايات المتحدة، وتجاوز حالة التدهور، فلا بدّ من:
1. إنهاء حالة الترهل في المنظومة الإدارية والتنفيذية الأمريكية.
2. حماية الأغلبية البيضاء، وخصوصاً البروتستانتية.
3. حماية الأسرة و»القيم المحافظة» في المجتمع؛ ومحاربة الإجهاض، والتضييق على مجتمعات الشذوذ الجنسي والمثلية.
4. وضع القوانين بما يتناسب مع مصالح الأغلبية، وليس الأقليات.
5. تبني سياسة خارجية «قومية شعبوية»، تعطي الأولوية للسيادة الأمريكية.
6. يرى ترامب وفريقه أن السلطة العالمية يجب أن تكون للأقوياء، وهم الذين يتنافسون ويتفاوضون لصناعة المستقبل، وعلى الصغار أن يتكيفوا ضمن المساحة المتاحة لهم.
7. يسعى ترامب وفريقه لتخفيف أي أعباء دولية تتحملها أمريكا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
*هل تنجح سياسات ترامب؟
يجد ترامب نفسه أمام حالة تحدٍّ كبير لتحقيق أهدافه، ويتجلى المأزق الأمريكي في أن الرغبات المندفعة لترامب لا تتناسب مع القدرات الفعلية على التنفيذ، وتبقى إلى حدٍّ كبير في إطار أسلوب رجل الأعمال الذي يسعى لتحقيق المكاسب السريعة بأي وسيلة. وربما حظيت سياسات ترامب ببعض النجاحات الآنية، غير أنها قد تتسبّب بخسائر إستراتيجية على المدى المتوسط والبعيد. وتكمن مظاهر تأزيم الوضع الأمريكي المحتملة فيما يلي:
1. إن الطريقة التي يريد بها ترامب «إدارة العالم» تُنهي عملياً النظام العالمي ودور مؤسساته الدولية القائمة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
2. تدفع سياسات ترامب حلفاء الولايات وأصدقاءها والعاملين تحت نفوذها، إلى الاعتماد على أنفسهم، وتقليل حاجتهم للولايات المتحدة أو الاستغناء عنها.
3. تفتح سياسات ترامب، أحبت أم كرهت، فرصاً أفضل للصين والقوى الدولية الصاعدة لملء الفراغ، وتحسين فرصها التنافسية الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
4. تراجع قوة الولايات المتحدة كأعلى دولة جاذبة للاستثمارات في العالم، بسبب سياسات إدارة ترامب التي تنزع الثقة في مصداقية الولايات المتحدة، وتوفيرها بيئات استثمار حُرَّة.
5. في مقابل إجراءات الحماية الأمريكية وفرض الضرائب والرسوم على الواردات، فإن الدول الأخرى ستقوم بإجراءات حماية مقابلة، وترفع الضرائب على الصادرات الأمريكية، مما سيرفع تكلفتها ويفقدها مزاياها التنافسية. كما ستستعيد هذه الدول جزءاً كبيراً من خسائرها التي تسببت بها سياسة ترامب.
6. سيتزايد سعي الكثير من الدول مثل دول البريكس وغيرها لتخفيف الاعتماد على الدولار الأمريكي في التبادل التجاري العالمي، وسيتزايد التأثير إذا ما قررت دول أوروبية أو الدول النفطية ذلك، وهو ما سيضعف تأثير الدولار في الاقتصاد العالمي.
7. تسهم سياسات ترامب الداخلية في ضرب البنى المؤسسية الأمريكية وإضعافها، وتأجيج الرغبة لدى بعض الولايات في الانفصال عن الدولة، ولو على المستوى البعيد، مثل كاليفورنيا وتكساس.
8. ستتسبّب سياسات ترامب في الحفاظ على هيمنة «البيض» وخصوصاً البروتستانت، وفرض نموذجه الاجتماعي الثقافي بطريقة متعسفة، في تصاعد النزاع الداخلي والإشكالات الاجتماعية والطبقية، وحالة الاحتقان لدى الأقليات العرقية والدينية. وسيتضرر عددٌ من الأسس التي قامت عليها الولايات المتحدة كأرض للحرية والتعددية الثقافية، التي وفّرت على مدى أكثر من مائتي عام بوتقة صهر للمهاجرين المندمجين، الذين يقدمون أفضل ما لديهم من إمكانات وإبداع في ضوء شعور حقيقي بالولاء والانتماء لوطنهم الجديد.
9. ترامب لا يرغب في التدخل العسكري ولا خوض الحروب، بل إن وضع الولايات المتحدة الحالي لا يعينها على التدخل العسكري الواسع المباشر. فبالرغم من قدرة ترامب على الإضرار بكثير من الدول إذا ما اتخذ إجراءات عقابية؛ فإن قدرته على الاستمرار في ممارسة الضغوط تظل محدودة، إذا ما رغبت هذه الدول في الاستمرار في تحدي سياساته… إذ إنه لا يستطيع في الغالب تجاوز الإجراءات الاقتصادية. وستتمكن معظم الدول من تجاوز أزماتها على المدى المتوسط والبعيد.