العميد الركن نزار عبد القادر
نجحت إيران خلال ما يزيد عن عقدين ونصف من تشكيل تحالف إقليمي مرن اطلقت عليه اسم محور «المقاومة والممانعة» ضمّ كُلاًّ من حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة والحوثيين في اليمن، وبعض فصائل الحشد الشعبي في العراق. لكن يبدو بأن هناك خطة اميركية - اسرائيلية مشتركة اللهجوم على هذا التحالف عسكرياً من اجل اضعافه، تمهيداً لتفكيكه. وبدأت سياسة تفكيك والغاء هذه الاذرع العسكرية الايرانية على يد اسرائيل وبدعم اميركي غير محدود من خلال حرب ضروس شنتها اسرائيل على حماس بعد عملية السابع من تشرين اول 2024 على غلاف غزة والتي عرفت باسم «طوفان الاقصى».
حاولت طهران انقاذ حماس من خلال توجيهها لقوى تحالف الممانعة الاخرى لدخول الحرب ضد اسرائيل تحت عنوان «وحدة الجبهات» من اجل نصرة غزة، ففتح حزب الله جبهة جنوب لبنان، كما وجهت الحوثيين على قطع طرق الشحن البحري في البحر الاحمر وباب المندب وخليج عدن.
كما وجهت بعض فصائل الحشد الشعبي العراقي للقيام بعمليات مساندة لحزب الله ولحماس. لكن عندما اشتدت مفاعيل الحرب الجوية على حلفائها قررت ايران استعمال قدراتها «الرادعة» من صواريخ بالستية ومسيّرات بعمليتين مباشرتين ضد اسرائيل، ولكنها فشلت في تحقيق اهدافها المرجوة بفعل التدخل الاميركي والبريطاني لحماية اسرائيل، من خلال تدمير الصواريخ والمسيَّرات قبل بلوغها لاهدافها.
نجحت اسرائيل بدعم مباشر من الولايات المتحدة في مواجهة هجمات حلفاء ايران، حيث دمرت اكثر من 80 في المائة من البنية العمرانية في غزة، كما اصابت بنية وقيادة حزب الله بخسائر فادحة، حيث انها استطاعت اغتيال معظم قياداته السياسية والعسكرية. وواصلت القوات الجوية الاسرائيلية ضرباتها المكثفة داخل سوريا، الحليف الاقليمي لايران، وأضعفته لدرجة جعلته يسقط بسهولة امام زحف الميليشيات المعارضة بقيادة جبهة تحرير الشام، والتي انطلقت من ادلب، وصولاً الى دمشق، حيث نجحت في اسقاط نظام بشار الاسد، ولم يسلم الحوثيون من ضربات اميركا واسرائيل، وذلك ضمن منطق اقناعهم بالعدول عن سياستهم في قطع خطوط الملاحة البحرية بتوجيه من ايران.
يبدو الآن بأن إضعاف حزب الله في لبنان وسقوط حكم بشار الاسد في سوريا قد دفع ايران للتركيز على استعمال اذرعتها العسكرية في العراق وفي اليمن، كما ذهبت ايضاً باتجاه تقوية علاقاتها مع حليفتها روسيا والصين، مع بذل جهود خاصة ومكثفة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية الخليجية.
لكن يبدو جلياً أن الحرب ضد ايران واذرعتها لم تنتهِ بعد، خصوصاً بعد اعلان الحوثيين استئناف عملياتهم «لوقف جميع السفن» المبحرة باتجاه اسرائيل، والتي طاولت بعض سفن البحرية الاميركية. لقد قرّر الرئيس دونالد ترامب شن هجمات جوية مكثفة ضد مواقع الحوثيين في اليمن بدءاً من يوم السبت الماضي. هذه «الحملة الجوية المدمرة» ما هي سوى بداية لمجموعة حروب ستشنها ادارة ترامب الثانية في الشرق الاوسط، وهذا ما يفتح الباب للتساؤل حول العمليات العسكرية اللاحقة، والتي في رأينا قد تتوسع لتشمل ايران نفسها، فيتحقق في ذلك حلم رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو، والذي سعى منذ عام 2010 لإقناع الولايات المتحدة لشن حرب واسعة ضد ايران لتدمير كامل منشآتها النووية، ووقف انشطتها «الهدامة» في منطقة الشرق الاوسط.
تشكل هذه الحرب المدمّرة ضد الحوثيين تبدلاً هاماً وخطيراً في السياسة الاميركية، خصوصاً بعدما تبين انها تستهدف قيادات الحوثيين ومراكز صناعة الاسلحة، ومواقع تخزينها بالاضافة الى الرادارات البحرية ومواقع اطلاق الصواريخ الباليستية. من المؤكد ان من اهداف العملية الجوية الراهنة منع ايران من دعم الجهد العسكري الحوثي سواء عبر بحر عمان وباب المندب، ابو براً عبر التهريب البري عبر الدول المجاورة بما فيها دولة الامارات والمملكة العربية السعودية.
يؤشر قرار ترامب لمد الحرب لأيام واسابيع مقبلة الى امكانية العمل على اسقاط الحكم الحوثي في اليمن في ظل امكانية استمرار العمليات الجوية لأسابيع يمكن تصوّر بذل جهود متكررة من قبل طهران للاستمرار بتزويد الحوثيين بصواريخ بحرية دقيقة ومسيَّرات متطورة لاستعمالها ضد الاسطول الاميركي في المنطقة، وسيؤدي ذلك الى حصول مواجهة اميركية - ايرانية وبمشاركة اسرائيلية ايضاً.
من المتوقع ان يستمر الحوثيون في مواجهة الغارات الاميركية، وأن لا تظهر في القريب العاجل مؤشرات التعب عليهم او النيّة للاستسلام لاميركا، وستؤدي قوة هذه الغارات لانزال خسائر كبيرة بالارواح في صفوف الشعب اليمني، والذي يعيش اكثر من ستين في المائة منه تحت سيطرة الحوثيين. وستؤدي الخسائر المادية وبالارواح الى دفع اكثرية الشعب لدعم الحوثيين، وبالتالي اطالة فترة هيمنتهم عى اجزاء واسعة من اليمن.
في رأينا من المتوقع ان لا تؤدي الغارات الاميركية المدمرة، حتى ولو استمرت لبضعة اسابيع الى اسقاط حكم الحوثيين او الى وقف ايران لنشاطاتها في دعم الحوثيين وبقية قوى الممانعة، ان القضاء على حكم الحوثيين او احتواء نشاطات ايران «الهدامة» سيتطلب دون شك تشكيل تحالف دولي واقليمي، تشارك فيه القوى الاوروبية الرئيسية واسرائيل وعدد من الدول الخليجية تحت قيادة اميركية مصممة على اخضاع ايران واسقاط السلطة الراهنة، وإحداث بالتالي تبدُّل اساسي في موازين القوى الاقليمية.