آرون بوكسرمان وروان الشيخ أحمد
سلّمت «حماس»، أمس، ما قالت إنّها رفات 4 إسرائيليّين اختُطفوا خلال الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، من بينهم امرأة وطفلاها الصغيران، الذين كانت عملية اختطافهم تُعتبر رمزاً لوحشية الهجوم الذي شنّته «حماس».
تجمّعت حشود من الفلسطينيِّين قرب مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة لمشاهدة عملية التسليم المسرحية التي نظّمتها «حماس»: 4 توابيت موضوعة على منصّة أمام صورة كاريكاتورية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رُسم فيها بملامح مصاص دماء. وفي الخلفية، بُثّت موسيقى انتصارية مدوّية.
كان أحد التوابيت يحمل صورة كيفير بيباس، الذي لم يكن قد أتمّ 9 أشهر عند اختطافه. وعلى بُعد أمتار قليلة، ظهرت ملصقات تهدّد بأنّه إذا استأنفت إسرائيل الحرب ضدّ «حماس»، فسيعود المزيد من الرهائن في توابيت.
على بُعد أميال، تابع الإسرائيليّون المشهد بذهول وألم، في تناقض حاد مع لحظات الفرح التي رافقت الإفراج عن رهائن نجوا من الأسر. فقد تعهّد قادة إسرائيل بالإطاحة بـ«حماس» وإعادة نحو 250 رهينة اختطفتهم الجماعة المسلحة وحلفاؤها، لكنّ بعض هؤلاء الأسرى يعودون الآن إلى ديارهم أمواتاً.
يُحمّل المنتقدون في إسرائيل نتنياهو جزءاً من المسؤولية، بحجّة أنّه واصل حملته العسكرية ضدّ «حماس» بدلاً من الموافقة على وقف إطلاق النار في وقت سابق، وهو ما كان من الممكن أن يُنقذ بعض الأرواح.
وعلى رغم من أكثر من عام من الحرب المدمِّرة، أظهر العرض الذي قدّمته «حماس» خلال عملية التسليم أنّها لا تزال تسيطر بقوة على غزة، حيث انتشر عشرات المسلحين، معظمهم يرتدون عصابات رأس خضراء تابعة لـ«حماس».
أمس، كانت التوابيت التي تحتوي على رفات الرهائن، أحدث أدوات هذا المشهد. ووصف فولكر تورك، المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هذا العرض بأنّه «بغيض وقاسٍ. يتعارض مع القانون الدولي».
حدّدت «حماس» هوية القتلى الـ4 على أنّهم شيري بيباس وطفلاها أريئيل وكيفير، بالإضافة إلى عوديد ليفشيتز. وعند اختطافهم، كانت بيباس تبلغ من العمر 32 عاماً، أريئيل 4 سنوات، وكيفير أقل من 9 أشهر، بينما كان ليفشيتز يبلغ 83 عاماً.
وأسفر الهجوم المفاجئ الذي قادته «حماس» أيضاً عن مقتل نحو 1,200 شخص، بمن فيهم والدا بيباس. وسرعان ما أعقبت ذلك حملة إسرائيلية عنيفة ضدّ «حماس» في غزة، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيِّين ودمار واسع في القطاع. وأعلنت «حماس» أنّ الذين أعيدت رفاتهم أمس، قُتلوا جراء الغارات الجوية الإسرائيلية، وهو أمر لم تؤكّده السلطات الإسرائيلية بعد.
تقترب إسرائيل و»حماس» الآن من الأسابيع الأخيرة من وقف إطلاق النار الذي استمر 42 يوماً وبدأ في منتصف كانون الثاني. وضمن الهدنة، وافقت «حماس» على إطلاق سراح 25 رهينة إسرائيلياً أحياء، وتسليم جثث 8 آخرين، مقابل إطلاق سراح أكثر من 1,500 أسير فلسطيني محتجزين لدى إسرائيل.
في المقابل، من المتوقع أن تفرج إسرائيل عن نساء وقاصرين من غزة اعتُقلوا خلال الحرب، وغالباً من دون توجيه تُهَم رسمية إليهم.
وأكّد مسؤولان إسرائيليان أنّ الأسرى الفلسطينيّين من المتوقع الإفراج عنهم يوم السبت، جزئياً لإتاحة الوقت لإسرائيل لإجراء اختبارات الطب الشرعي والتعرّف على الجثث التي تسلّمتها. تحت زخات المطر الخفيفة، وضع مسؤولون من اللجنة الدولية للصليب الأحمر التوابيت في مركبات بيضاء. وأكّدت إسرائيل لاحقاً أنّها استلمت الصناديق وأوصلتها إلى قواتها.
واعتبر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، أنّ «الكلمات تعجز» عن وصف الألم عند رؤية التوابيت. فأسماء وصور الرهائن أصبحت مألوفة جداً لدى الإسرائيليّين، وانتشرت في كل أنحاء البلاد منذ اختطافهم. وكتب هرتسوغ على وسائل التواصل الاجتماعي: «قلوبنا، قلوب أمّة بأكملها، محطّمة. بالنيابة عن دولة إسرائيل، أنحني احتراماً وأطلب الصفح. الصفح لأنّنا لم نحميكم في ذلك اليوم الرهيب. الصفح لأنّنا لم نعدكم سالمين إلى منازلكم».
اختُطِفت بيباس وطفلاها، إلى جانب ليفشيتز، من نير عوز، وهي واحدة من أكثر المجتمعات تضرّراً خلال الهجوم، إذ قُتل أو أُسر نحو ربع سكان القرية البالغ عددهم حوالى 400 شخص. كما اختُطف زوج بيباس، ياردين بيباس. وفي لقطات من موقع الهجوم، التي أصبحت محفورة في الذاكرة الإسرائيلية، ظهرت بيباس مرعوبة، متدثرة ببطانية، تحتضن أريئيل وكيفير بشدة بينما كان مسلحون يأخذونها بعيداً.
وفي تشرين الثاني 2023، أصدرت «حماس» بياناً أعلنت فيه مقتل بيباس وطفليها، ونشرت أيضاً مقطع فيديو دعائياً يظهر فيه بيباس باكياً وهو لا يزال في الأسر، بعد إبلاغه بالخبر. وصنّفت منظمات حقوق الإنسان هذه المقاطع ضمن جرائم الحرب.
أُطلق سراح بيباس في أوائل شباط كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار. أمّا ليفشيتز، الصحافي المتقاعد، فاختُطف مع زوجته، يوشيفيد ليفشيتز. لاحقاً، أفرجت «حماس» عن زوجته بدعوى «أسباب إنسانية»، لكنّها رفضت إطلاق سراحه. وقبل الحرب، كان ليفشيتز يتطوّع لنقل مرضى غزة الذين يحتاجون إلى علاج طبي في إسرائيل إلى المستشفيات.
يوم السبت، من المتوقع أن تُفرج «حماس» عن آخر 6 رهائن أحياء مشمولين في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار مقابل مزيد من الأسرى الفلسطينيِّين. كما ستُسلّم رفات 4 رهائن آخرين خلال عطلة نهاية الأسبوع التالية.