انهزام الوعي ... والخواء السياسي _


انهزام الوعي الفردي والجماعي يؤدي الى انهيار المجتمعات وتفكك الدول، ويفقد المواطنون القدرة على التمييز بين السلطة والسياسة وبين الشراكة والوصاية وبين السيادة الوطنية والسياحة السياسية، وحين يُهزم الوعي يعم الخواء السياسي والمعرفي والأخلاقي، وتُختزل السياسة في طقوس مسرحية فوق واقعية، منفصلة عن التفاعلات الكارثية التي تعيشها اجيال المشرق مع الاحتلال والنزوح والمجازر والدمار.

العالم الغربي يشهد مرحلة من الانكشاف القيمي الغير مسبوقة بعد ان كان يقدم نفسه النموذج الأمثل في احترام الحريات والحقوق والمواثيق الدولية، واهتزاز هذه الصورة احدثت صحوة سياسية أخلاقية بدأت بالاعلام والجامعات والمظاهرات والنخب الغربية التي حركت البرلمانات والحكومات التي بدأت تدرك تداعيات سياسة الصمت، والتواطؤ مع عملية الابادة، وموت الأطفال من الجوع في العراء، وهذه الصحوة الغربية احدثت موجة مضادة لدى مجموعات القهر والاحتلال.

التحولات الغربية قد تحدث ولادة وعي إنساني جديد عابر للحدود، ويمكن ان تساعد في اعادة تشكّيل وعي الاجيال المشرقية، التي ترزح تحت وطأة الانهزام والخواء والإنكار، والدولة المشرقية الفاشلة تعيش على فتات الروابط الوطنية المشتركة التي كانت توحدها، والناس تعيش يومها فقط في حالة خوف دائم من مواجهة الحقيقة، يسمون الطائفية توازن، والارتهان واقعية سياسية.

الهوية الطائفية اصبحت بديلا عن الهوية الوطنية، واصبح من الطبيعي العيش من دون دولة أو مؤسسات أو عدالة، او تعليم، او مستقبل، وأصبح الفشل سمة وطنية جامعة، نتيجة اعتكاف النخب عن المواجهة مع الذات وتحمل مسؤولية ما نعيشه من خواء سياسي وفكري، وعدم القدرة على استشراف خيارات وطنية تحاكي وعي اجيال الذكاء الاصطناعي والتراكم المعرفي اللامحدود وفي كافة المجالات .

لبنان اليوم بانتظار صحوة وطنية شاملة وجامعة تعيد بناء الثقة بالذات الوطنية، واطلاق موجات من الوعي المتجدد والخلاق والقادر على استشراف المستقبل، وصناعة الاسئلة، وفي مقدمتها كيف نستطيع تحرير الذاكرة الوطنية من موروثات سنوات طوال من الوعي المهزوم والخواء السياسي في لبنان.

صحيفة اللواء
انهزام الوعي ... والخواء السياسي _