انتصار سوريا وانكسار أعدائها _


د. أحمد القديدي

كانت معاهدة الصلح بين رجلين من سوريا جاهدا من أجل وطنهما والموقعة أول أمس الأربعاء معاهدة انتصار سوريا لأن الرجلين هما أحمد الشرع ومظلوم عبدي الأول سني قاد الجيش السوري الحر والثاني كردي قاد (قسد: قوات سوريا الديمقراطية) وسميت المعاهدة التاريخية بذات البنود السبع أي الاتفاق الكامل على أسس السلام والأمن الوطنيين وغلق باب الفتنة ووقف إطلاق النار على كامل التراب السوري وإنشاء دولة حرة يتعايش فيها كل السوريين مهما كانت دياناتهم وأعراقهم وانتماءاتهم أي سوريا لجميع مواطنيها لا استفراد فيها لطائفة من الطوائف بالمناصب حيث تقرر تعيين الكفاءات لا تكليف الولاءات والتقدم باقتصاد الوطن نحو العدالة في خلق الثروات والعدل في توزيعها ثم الأهم إنشاء لجنة للحوار الوطني مطالبة بالخروج بقرارات دستورية في ظرف ثلاثة أشهر. جاءت المعاهدة بعد مجازر انتقامية سقط فيها منذ هروب المخلوع نحو ألف ضحية من المدنيين تم قتلهم على أيدي نفس ضحايا الإرهاب الأسدي لكن بدون تمييز بين مجرم وبريء وهو ما أدانته كل منظمات الحقوق الإنسانية وجمعيات سوريا المدنية وما أساء جدا للثورة السورية النبيلة ولطَّخ بعض أيادي أشخاص منعزلين بدماء سورية.

* ولقائل أن يقول إن ما وقع من أحداث مؤسفة كان متوقعا وطبيعيا بالنظر الموضوعي إلى خمسين عاما من التوحش الطائفي العلوي الأسدي بدءا من مجزرة حماة عام 1982 على أيدي حافظ الأسد الدموية تلتها مجازر رهيبة ارتكبها وريثه بشار بالبراميل المتفجرة التي لا تفرق حين تلقيها المقاتلات الحربية بين سني وشيعي وبين بعثي وقومي وبين زيدي وعلوي ثم باستعمال السلاح الكيماوي المحرم دوليا ضد شعب أعزل أراد خلال الربيع العربي المنطلق من تونس أن يكون وطنه ذا مؤسسات منتخبة بحرية وأن يتمكن فيه السوريون من الحصول على حقوقهم المدنية فجاء رد منظومة الإرهاب الرسمي على المظاهرات السلمية ردا طائفيا دمويا متوحشا كانت رموزه سجون صيدنايا ومحتشدات المخابرات العسكرية المنتشرة في كل مدن سوريا! ولم تمض سوى ساعات على فرار المخلوع بشار من دمشق إلى روسيا حتى تحركت فلول الشبيحة العلوية والمتمعشة من الظلم والقهر والاغتيالات واسترخصت حياة كل السوريين وتنظمت بسرعة ظنا منها كما أوحت لها قوى إقليمية وعالمية بأن الفرصة سانحة للانقضاض على الحكم والقضاء السهل على «شوية ثوريين» غير متمرسين بالسلطة ومستعدين للوقوع في فخ الحرب الأهلية للتقاتل على المناصب في الجيش والإدارة!!!

* هذه الميليشيات التابعة للمنظومة البائدة هي التي تحكمت في مصائر السوريين لمدة نصف قرن وتعودت على القتل. وفي نفس اللحظات الضبابية قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود تسللت إسرائيل كما تتسلل الأفعى إلى الأراضي السورية متذرعة بالخوف على أمنها واحتل جيش العدو العنصري مساحات إضافية من الجولان السوري لتتخذه الحكومة اليمينية المتطرفة «حزاما أمنيا» يقيها حسب مخططها المعد مسبقا من «تسلل الإرهابيين العرب» إلى إسرائيل!!

* في نفس هذا السياق حذر الكاتب الإسرائيلي (إيال زيسر) في مقال نشرته صحيفة (إسرائيل اليوم) من مخاطر تورّط إسرائيل في مغامرة عسكرية في سوريا معتبراً أن حكومة (نتنياهو) ارتكبت خلال الأشهر الثلاثة الماضية كل خطأ ممكن في تعاملها مع الوضع السوري الجديد بعد سقوط نظام بشار الأسد. يبدأ (زيسر) مقاله بتشخيص الوضع الإقليمي حيث يرى أن إسرائيل تواجه تحديات على عدة جبهات: في غزة حيث رمّمت حماس قوتها وعادت لتحكم بيد عليا القطاع وسكانه تحت ظل وقف إطلاق النار وفي لبنان حيث استعاد حزب الله قدراته رغم التواجد الرمزي للجيش اللبناني على طول الحدود.

ويتساءل الكاتب باستغراب عن توجيه طاقة دولة إسرائيل نحو مغامرة في سوريا يصفها بأنها سخيفة وعديمة المنطق السياسي والعسكري ستلحق الضرر بإسرائيل في المستقبل بدلاً من التركيز على تصفية حماس أو هزيمة حزب الله. ويشير الكاتب إلى التغيير الكبير الذي حصل في سوريا مطلع ديسمبر 2024 حين انهار نظام بشار الأسد الذي وصفه بـشيطاننا المعروف والمحبب لأنه حرص على الحفاظ على الهدوء على طول الحدود بين سوريا وإسرائيل لكنه سمح لإيران أن تتموضع في بلاده وساعدها على أن تجعل حزب الله تهديداً قائماً لإسرائيل. ويوضح الكاتب أن من حل محل الأسد هو أحمد الشرع المعروف سابقاً بـأبي محمد الجولاني زعيم جبهة تحرير الشام التنظيم ذي الجذور المسلحة. ويلفت إلى أن الشرع لا يمر يوم دون أن يبعث لنا برسائل تهدئة بل وحتى مصالحة وأن متحدثين باسمه تنبأوا بإمكانية إقامة سلام مع إسرائيل.

وختم الكاتب مقاله بجملة تلخص حقيقة الخشية من التورط في سوريا قائلا: «بأيدينا نحن ندفع سوريا إلى أذرع تركيا ومن لا يريد الشرع سيلقى في مواجهته أردوغان!» وهنا لابد من عرض موجز لموقف الرئيس الجديد القديم (ترامب) الذي أعلن منذ حملته الانتخابية أنه يريد إنهاء حرب أوكرانيا وحرب الشرق الأوسط بالدبلوماسية وطبيعي أن يؤثر هذا الموقف الأمريكي المفاجئ على مجرى الأحداث السورية كما أثر على نتائج مفاوضات الدوحة بين العرب وجارتهم إسرائيل بسبب غريب وهو أن (ترامب) لم يخف مفاوضات مبعوثه مباشرة مع حماس!! وهذا ما يغير المعادلات التقليدية للعلاقات الدولية كلها وخاصة رسم معالم المستقبل السوري والفلسطيني والعربي عموما..

وللتحليل بقية!

صحيفة الشرق القطرية
انتصار سوريا وانكسار أعدائها _د. أحمد القديدي