"الفنتازيا" اللبنانية حول مزارع شبعا _ رفيق خوري


رفيق خوري

حكاية مزارع شبعا طويلة. بعضها يعود بالطبع إلى ما قبل الاستقلال وما جرى من اتصالات لبنانية - سورية بعد الاستقلال. وبعضها الآخر توسع بعد احتلال إسرائيل الجولان السوري ومعه مزارع شبعا التي كانت فيها قوات سورية بحجة مكافحة التهريب، بحيث شملها القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن.

وأكثرها إثارة ظهر بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني المشمول بالقرار 425، حين نبشت المنظومة الأمنية السورية - اللبنانية في ظل الوصاية السورية - الإيرانية موضوع مزارع شبعا والتركيز على"لبنانيتها" كأرض محتلة لم تنسحب منها إسرائيل، وبالتالي إيجاد سبب لاحتفاظ "حزب الله" بسلاحه من أجل مقاومة الاحتلال. وهي مقاومة لم تشمل المزارع من قبل، لا في مرحلة المقاومة الوطنية، ولا في مرحلة المقاومة الإسلامية للاحتلال بين العام 1982 والعام 2000.

والسجال حول المزارع وهل هي لبنانية أو سورية صار عبثيًا. وهو لم يبدأ من رد وليد جنبلاط على سؤال بالقول إن خرائط الأمم المتحدة تعتبر المزارع "سورية". فما قاد إلى السجال واستنفار "الذباب الإلكتروني" ليس موضوع المزارع بل رؤية الزعيم الدرزي الأبرز للمرحلة الجديدة في المنطقة وإعلانه تسليم أسلحة الحزب "التقدمي الإشتراكي" إلى الدولة، والتمني على الأحزاب اللبنانية وغير اللبنانية تسليم أسلحتها لأنها فقدت دورها. وهناك من يراها مجرد "خردة" أمام أسلحة أميركا. ولا أحد يجهل قصة الدوران طويلاً حول خارطة مطلوبة من سوريا توثق لبنانية المزارع، وتتولى بيروت ودمشق تقديمها إلى الأمم المتحدة، بحيث يشمل القرار 425 المزارع وعلى إسرائيل الانسحاب منها أسوةً بالجنوب. ويقول فاروق الشرع الذي تولى وزارة الخارجية ثم نيابة الرئاسة في كتاب "الرواية المفقودة": "أبلغت تيري رود لارسون أن مزارع شبعا لبنانية". لكن الخارطة التي احتاج إليها لارسن في رسم "الخط الأزرق" ظلت في عالم الغيب.

أما فريدريك هوف في كتاب "بلوغ المرتفعات" والذي قام بدور كبير بين سوريا وإسرائيل حول "إعادة الجولان مقابل التموضع الاستراتيجي" الذي يقضي بتخلي دمشق عن علاقاتها وتحالفاتها العسكرية مع إيران و"حزب الله" و"حماس" فإنه سأل الرئيس بشار الأسد في جلسة 27 شباط 2011: "هل يتطلب خروج نصر الله من المقاومة إعادة مزارع شبعا إلى لبنان بمجرد جلاء إسرائيل عن هضبة الجولان؟". لكن الأسد "أكد لي أن الخرائط توضح أن مزارع شبعا أراضٍ سورية، وربما يكون إجراء تعديلات مع لبنان في المستقبل أمراً ممكناً".

وليس واضحاً، وسط السعي اللبناني والسعودي والأميركي لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، موقف الرئيس أحمد الشرع الفعلي. لكن إسرائيل المصرة بلسان وزير الخارجية جدعون ساعر على "اعتراف دمشق بالسيادة الإسرائيلية على الجولان مقابل السلام معها"، كانت ولا تزال تعتبر مزارع شبعا مرتبطة بالجولان. والوضع ازداد خطورة بعدما احتلت موقع سوريا على قمة جبل الشيخ. وهي لا تزال ترفض الانسحاب من التلال التي احتلتها في الجنوب خلال "حرب الإسناد" وبعدها. ومن الصعب تصور تخليها عن مزارع شبعا لمجرد إثبات أنها لبنانية، وهي تخرق اتفاق وقف النار وتطبيع القرار 1701.

ولم تكن قليلة نسبة "الفنتازيا" في السياسة اللبنانية بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب تحت ضغط المقاومة الإسلامية، لجهة التصور أن استعادة المزارع تتوقف على إرسال خارطة إلى الأمم المتحدة.

و"ما يقتل ليس الشك بل اليقين" كما قال نيتشه.

صحيفة نداء الوطن
"الفنتازيا" اللبنانية حول مزارع شبعا _ رفيق خوري