العدوان على قطر والمصداقية الأميركية _ صلاح سلام


صلاح سلام

لا يمكن اعتبار ما حصل في الدوحة مجرد غارة إسرائيلية إستهدفت بعض قيادات حماس المقيمين في العاصمة القطرية، بقدر ما هو اعتداء سافر على دولة قطر، وقصف مباشر على دورها الإيجابي في التوسط لوقف حرب الإبادة والمجازر اليومية في غزة، بما يكرس الإستراتيجية البناءة التي تعتمدها قطر منذ سنوات في بذل الوساطات والمساعي الحميدة لإنهاء الحروب، والتوصل للحلول المناسبة في الخلافات الإقليمية والدولية، حيث أفلحت وساطتها بين واشنطن وطالبان في إنهاء الحرب في أفغانستان، وإنسحاب القوات الأميركية من الأراضي الأفعانية.
تعمّد حكومة نتنياهو إغتيال فريق حماس الذي يفاوض في الدوحة لوقف الحرب في غزة على خلفية مقترحات الرئيس الأميركي ترامب الأخيرة، يؤكد مرة أخرى، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن الإئتلاف المسياني المتطرف الذي يحكم الدولة العبرية، مصرٌّ على تحقيق الأهداف التي أعلنها بن غفير وسيموريتش عن إستمرار الحرب حتى تحقيق الهجرة الجماعية لأهالي القطاع، والعمل على ضمه لإسرائيل وإعادة بناء مستوطنات جديدة، وذلك كخطوة أولية لتحقيق التوسع في الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وتقويض السلطة الفلسطينية، والقضاء على فكرة دولة فلسطين، التي سيقرها المؤتمر الدولي الذي دعت إليه السعودية وفرنسا على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ما كان ممكناً للعربدة الإسرائيلية في فضاء المنطقة العربية، وخاصة الخليجية، أن تتجاوز كل الخطوط الحمر، وتتجرأ على القيام بإعتداء غادر على الدوحة، لولا الدعم الاميركي غير المسبوق للحكومة المتطرفة في تل أبيب، التي لا تقيم وزناً لأبسط القوانين والأعراف الدولية، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة، وتضرب عرض الحائط بالأسس والمبادئ الأخلاقية التي تحكم عمليات التفاوض عادة، ولا تتوانى عن تهديد الأمن والسلام الإقليميين، دون رادع أو حسيب.
نتنياهو أعلن فور حصول العدوان أنه تم تنسيق العملية مع واشنطن، مستبقاً أية محاولة أميركية للتنصل من تداعيات هذا الإعتداء الغادر على دولة تستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط. أما قول ترامب لأمير قطر بأن بلاده لم تعلم مسبقاً بالعملية، لا يكفي لتبرئة التواطؤ الأميركي، إذا لم يقترن بخطوات عقابية سريعة على حكومة نتنياهو المتطرفة، ولعل أبرزها فرض وقف الحرب في غزة، ومنع تنفيذ أية هجمات عدوانية على الدول الخليجية، التي لم تعد تشعر بالأمان، رغم وجود قواعد أو قوات أميركية على أراضيها.
إستنكار ترامب الكلامي لا ينقذه من تهمة النفاق إذا لم يتم إتخاذ خطوات أميركية رادعة وحازمة ضد حكومة نتنياهو، لإعادة الثقة بمصداقية المواقف الأميركية.

صحيفة اللواء
العدوان على قطر والمصداقية الأميركية _ صلاح سلام