طوني عيسى
ليس واضحاً إذا كانت تهديدات إسرائيل بإشعال حرب وشيكة مع «حزب الله»، أو مع لبنان ككل، جدّية أو هي جزء من حرب نفسية تريد منها إجبار «الحزب» على الاستسلام، والدولة على القبول بقواعد التفاوض الإسرائيلية. ولكن، هناك اقتناع في عدد من الأوساط بأنّ إسرائيل تريد فعلاً «تعقيم» المناطق المجاورة لحدودها، سواء لجهة لبنان وسوريا أو لجهة الأردن وغزة ومصر، من أي سلاح خفيفاً كان أم ثقيلاً، ومن أي جماعات يمكن أن تصنّفها عدائية.
بات واضحاً أنّ هناك مسلمات تعمل إسرائيل لتأمينها في المناطق المجاورة لحدودها الحالية:
1- لا وجود إطلاقاً لـ«حزب الله» و«حماس» في مستقبل لبنان وسوريا وغزة.
2- لا أنظمة «معادية لإسرائيل» يمكن أن تتاح لها السيطرة على المناطق المجاورة لحدودها، من لبنان إلى سوريا فغزة والأردن ومصر.
3- بمعزل عن طبيعة الحكومات والجهات التي ستشرف على الأمن في تلك المناطق الحدودية، فإنّ إسرائيل تريد تحويلها مناطق «ملائمة» لها أمنياً، أي أن تتبع كلها برمجة مدروسة تتكفّل بتوفير الحدود الآمنة لها. وعلى سبيل المثال: تكون هناك «منطقة أ» تمتد إلى عمق بضعة كيلومترات، تكون عازلة، وخالية تماماً من السكان والعسكر، لكن إسرائيل تسيطر عليها أمنياً في شكل كامل. ويقال إنّها قد تتحول مناطق استثمار اقتصادي يشارك فيها الأميركيون أو يديرونها. وبعد ذلك، تكون هناك «المنطقة ب» التي يكون فيها حضور شبه رمزي لجيوش الحكومات. لكن القرار فيها لقوات متعددة الجنسيات يطغى عليها الأميركيون والأطلسيون، وتكون مدعّمة بسلاح ثقيل. وبعد ذلك، يأتي الحضور المشروط لجيوش الدول، من دون سلاح ثقيل ولا طيران فوق المنطقة.
هذا التصور تريد إسرائيل تطبيقه في لبنان وسواه. واتفاق 17 أيار شاهد على ذلك. ويعني ذلك أنّ الدولة تتمتع بحضور عسكري نسبي بين الأولي والليطاني. وبعد ذلك، يكون هناك وجود عسكري رمزي حتى المنطقة العازلة. ولكن، في أي حال، تفترض إسرائيل أنّ الأمر يستدعي «تنظيف» الجنوب من سلاح لـ«حزب الله»، خفيفاً كان أو متوسطاً أو ثقيلاً، كما أنّ «الحزب» نفسه، وفق الوعد الأميركي، يجب أن يكون قد خرج من مستقبل المشهد السياسي اللبناني كلياً، بعد الانتخابات النيابية «المدروسة» المقرّرة في السنة المقبلة.
هذه الاستنتاجات كفيلة بإيضاح ما تريد إسرائيل أن تفعله في لبنان، في المدى القريب جداً كما يعتقد البعض، أو في مراحل لاحقة. ولكن، يتقاطع المتابعون على الاقتناع بأنّ إسرائيل وصلت فعلاً إلى حتمية إشعال حرب واسعة جديدة في لبنان، لكن هذه الحتمية معلّقة، أي إنّ قرار الحرب جاهز لكنه ينتظر الظرف. وعلى الأرجح هو ينتظر الذريعة.
ويمكن تصنيف الذرائع الإسرائيلية المحتملة ضمن ثلاثة مسارات:
-المسار الأول هو الذريعة الميدانية، أي المبادرة غير المحسوبة إلى إشعال الحرب من جانب «حزب الله». وهذا السيناريو هو الأقل ترجيحاً حالياً، لأنّ «الحزب» يسعى جاهداً إلى عدم توفير هذه الذريعة، وهي الأخطر، كأن ينفّذ عملية نوعية توقع خسائر كبيرة بالإسرائيليين. ففي هذه الحال، ستعتبر إسرائيل أنّ «الحزب» تجاوز الخط الأحمر، ما يستوجب رداً مناسباً.
ومن الذرائع الميدانية المستجدة، ربما، اندلاع اشتباك مع الجيش اللبناني، إذا تكرّرت محاولات التوغل الإسرائيلية، وأدّى ذلك إلى اشتباك مع الجيش، بعد تلقيه تعليمات قبل أيام بتغيير تموضعه. فإذا أدّى هذا الاشتباك إلى وقوع خسائر إسرائيلية كبيرة، فستتذرع إسرائيل بذلك، وتوسع عملياتها لتشمل أهدافاً في العمق اللبناني.
-المسار الثاني هو الذريعة الاستراتيجية، أي قيام «حزب الله» بالتفجير جنوباً لدعم إيران. فإسرائيل تحتسب لهذا الاحتمال، ولذلك قد تشن حرباً وقائية ضدّ «الحزب». وفي الواقع، إنّ إصرارها على تسريب المعلومات أو الشائعات عن تلقّي الحزب دفعات جديدة من السلاح الإيراني، عبر سوريا أو أي ممر آخر، ربما يكون تمهيداً لذريعة من هذا النوع. وستقول إسرائيل إنّها لن تنتظر استخدام هذه الأسلحة، بل ستعتبرها عملاً حربياً في ذاته، وستشن هجوماً واسعاً لتدمير الترسانة الجديدة في مهدها.
-المسار الثالث هو الذريعة الديبلوماسية، أي عنوان «انتهاء المهلة». وفيه تحصل إسرائيل على غطاء دولي، إذ تقول: لقد تمّ استنفاد كل الجهود الديبلوماسية السلمية، بشهادة الأميركيين، ولم يلتزم «حزب الله» باتفاق وقف النار. وبناءً على ذلك، قد تعلن بدء عملية عسكرية تهدف إلى «إزالة التهديد»، لأنّ المجتمع الدولي فشل في إزالته سلمياً.
على الأرجح، سيتجنّب «حزب الله» الوقوع في خطأ تنفيذ عملية تمنح إسرائيل ذريعة أمنية. ولكن، سيكون حظه سيئاً إذا اندلعت مواجهة جديدة مع إيران، لأنّها قد تدفعه إلى خيارات لا يريدها. فهو سيتجنّب منح إسرائيل ذريعة دسمة لتوجيه ضربات قاتلة إليه.
لذلك، قد يكون السيناريو الأسهل إسرائيلياً هو التذرّع بانتهاء المهلة الديبلوماسية والتركيز على «الخطر المحدق بسكان الشمال». فهذه هي الذريعة الجاهزة التي يدأب نتنياهو وأركان حكومته على تسويقها دائماً. وعلى الأرجح، هم سيقومون باستغلالها عندما يشعرون بأنّ «التوقيت الاستراتيجي» قد حان لتفجير حرب جديدة في لبنان.