إستقلالية القضاء شعار أم إصلاح..؟ _ صلاح سلام


صلاح سلام

في بلد يتّكئ على حافة الانهيار، يصبح القضاء هو الرهان الأخير لإنقاذ ما تبقّى من الدولة. لكن حين تبدأ العدالة تفقد حيادها، وتصبح رهينة للتوظيف السياسي أو الانتقائية، فإن أساس الدولة يتصدّع، مهما استُخدمت من ذرائع قانونية أو شعارات إصلاحية، على نحو ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري.
ما حدث أمس في قضية توقيف الوزير السابق أمين سلام، لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي العام في لبنان، ولا عن ممارسات مزمنة طبعت العلاقة بين السلطة التنفيذية والجسم القضائي. فمهما قيل عن أسباب التوقيف، تبقى الأسئلة الأهم متعلقة بـالمنهجية، التوقيت، والمساواة أمام القانون.
من حيث المبدأ، لا يُعفى أي مسؤول، سابق أو حالي، من المساءلة القضائية. ولكن حين تُستثنى رموز نافذة من المحاسبة، فيما تُسلّط الأضواء على شخصيات محددة، يصبح الانطباع العام أن العدالة لم تعد سوى أداة بيد الأقوى نفوذاً، ولا علاقة لها بنزاهة القضاء وشفافيته المطلوبة.
ثمهة ملفات كبرى، تتعلّق بفساد إداري ومالي، وسوء إدارة وزارات أساسية، وتدمير ممنهج للمرافق العامة، لا تزال قابعة في الأدراج، أو محصّنة بحماية سياسية وطائفية واضحة. كيف يُفسّر هذا التفاوت الفجّ في الملاحقات؟ ولماذا يُحاسَب وزير سابق على إجراء إداري أو تهمة قابلة للنقاش، فيما يُترك آخرون تورّطوا في ملفات تتجاوز بالمليارات دون حتى استدعاء؟ وهل ثمة ضرورة للخوض صراحة في الأسماء؟
الخطير في ما يحصل ليس فقط المسّ بشخص الوزير السابق أمين سلام، بل الانطباع بأن القضاء في لبنان ما زال بعيدًا عن أن يكون سلطة مستقلة بالمعنى الفعلي. فعوض أن يقف القاضي محصّنًا أمام النفوذ السياسي، بات في أحيان كثيرة يُوظَّف في لعبة النفوذ والتجاذبات، أو يُدفع نحو فتح ملف هنا، وغضّ النظر عن ملفات هناك.
وإذا استمر هذا المسار، فإن المؤسسة القضائية ستفقد ما تبقى من مصداقيتها، وتتحول إلى مجرد أداة ضغط، ، ويبقى مطلب إستقلال القضاء مجرد حبر على ورق، وشعاراً للإستهلاك في الخطابات والمناسبات.
ما يجب أن تعرفه السلطة، على اختلاف أطيافها، هو أن الرأي العام اللبناني لم يعد ساذجًا. هو يرى بوضوح أن العدالة لا تطال الجميع، وأن الملاحقة تُبنى أحيانًا على انتقائية سياسية أو طائفية أو شخصية. وهذا بحد ذاته يشكل ضربة عميقة لثقة الناس بالقانون، ويقودهم مجددًا إلى فقدان الإيمان بالدولة كمرجعية محايدة، رغم كل الآمال التي علقوها على إصلاحات العهد الحالي.
من المفترض أن أهل السلطة يدركون أن استقلالية القضاء ليست مجرد بند نظري في الدستور، بل هي العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي. فإما أن يحاسب القضاء الجميع دون تمييز، أو لا يحاسب أحدا ويخسر شرعيته.
المحاسبة الحقيقية لا تبدأ بالاستفراد، بل بالشمولية. ويستحيل الحديث عن دولة قانون في ظل قضاء منتقى، والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو إقرار قانون استقلالية القضاء بشكل واضح، وتنقيح التشكيلات القضائية من التدخلات السياسية والطائفية، وإخضاع كل من تولّى مسؤولية عامة إلى مساءلة جدية ومسؤولة.
في قضية الوزير السابق أمين سلام، قد يكون للقضاء حججه، وقد تكون هناك مخالفات تستحق التحقيق. ولكن ما لم يُثبت القضاء أنه يعامل الجميع بالمعايير نفسها، فإن كل محاسبة ستبقى موضع شك، وكل عدالة ستبقى منقوصة، وكل إصلاح سيبقى وهمًا يُسَوّق في البازارات السياسية.

صحيفة اللواء
إستقلالية القضاء شعار أم إصلاح..؟ _ صلاح سلام