إستقلال لينان ... (المستعمرة _ أحمد الغز


أحمد الغز

ثورة إستقلال المستعمرات البريطانية على الساحل الشرقي الامريكي عام 1776 تشكل نقطة التحول الأبرز في ولادة الدولة الوطنية المستقلة، والثورة الأميركية قدمت نموذج إستقلال أول مستعمرة في التاريخ وانتزاع الحرية السياسية من الوصاية الخارجية، اما الثورة الفرنسية عام 1789 فلم تكن ثورة استقلال، بل ثورة على نظام ملكي قائم في دولة غير مستعمرة، ومن هنا تتمايز التجربتان ثورة الاستقلال الأميركية أسست لمعنى السيادة، بينما الثورة الفرنسية اسست لمعنى الجمهورية.

المستعمرة كصيغة سياسية هي ابتكار بريطاني بدأ في اميركا وتطور مع شركة الهند الشرقية عام 1600 التي بادرت الى ابتكار انماط متنوعة من المستعمرات عبر آليات دقيقة للسيطرة وتفكيك المجتمعات، وبناء إدارات محلية تابعة وتصميم اقتصادات تخدم الإمبراطورية، وقد نجح هذا النموذج في الهند وجوارها، قبل ان يدخل المشرق في لحظة انتقالية مع حملة نابليون على مصر عام 1798 وعودة التنافس الفرنسي البريطاني، وولادة مشرق جديد مع قيام دولة محمد علي المصرية 1805 وحملة ابراهيم باشا 1831 -1840، ومتصرفية لبنان الصغير 1861.

الحرب العالمية الأولى انتجت اتفاقية سايكس- بيكو 1916 بصياغة كيانات هجينة، جمعت مجموعات مذهبية وعرقية متناقضة ضمن حدود سياسية مصطنعة، وقد اعتمدت بريطانيا وفرنسا المنتدبتان على المنطقة، الاليات نفسها التي اعتمدتها شركة الهند الشرقية من خلال إدارة فوقية، نخب محلية مرتبطة بالخارج، ومجتمعات مفككة غير قادرة على بناء دولة مركزية.

تعلمت اوروبا من دروس ثورة الاستقلال الأميركية، وبعد انهاء شركة الهند الشرقية 1874 بادرت الدول الاستعمارية الى تصميم مستعمرات لا تسمح بتكرار نموذج ثورة اميركا 1776، فجاءت كيانات المشرق مستقلة شكلاً لكنها تحمل في أصل بنيتها عناصر الفشل، وهشاشة في الهويات، وتتقدم فيها الولاءات الطائفية والعرقية والخارجية على الولاء الوطني.

دول المشرق المستقلة خرجت من وصاية الانتداب ولم تتحرر من هندسة الكيان الذي صاغه المستعمر على الفشل والانقسام، وان بناء دولة مشرقية مستقلة وناجحة، يتطلب القدرة على تجاوز اسباب الفشل المصممة قبل نشوء الكيان، وفي 22 تشرين الثاني ذكرى إستقلال لبنان ... (المستعمرة) ... حفظ الله لبنان.

صحيفة اللواء
إستقلال لينان ... (المستعمرة _ أحمد الغز