تقارير خاصة

عامان على الحرب على قطاع غزة.. نتائج غيّرت وجه المنطقة

إسلام جحا - خاص الفجر

شكلت أحداث السابع من أكتوبر 2023 نقطة تحوّل في تاريخ الشرق الأوسط، إذ أطلقت شرارةٌ واحدةٌ حربًا من أطول الحروب وأكثرها دموية في المنطقة. فالعملية التي قامت بها حركة حماس في المستوطنات المحاذية للقطاع وأسفرت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 250 من المستوطنين، دفعت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة والمدعومة أميركيًا، إلى شنّ حرب إبادة استخدمت فيها كل الوسائل العسكرية غير المشروعة ضد شعبٍ محاصر منذ أكثر من 18 عامًا.

على مدى عامين من الحرب، تحوّلت غزة إلى ركام حيّ. فقد بلغت حصيلة الشهداء 67,139، وأُصيب 169,583 آخرون، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب آلاف المفقودين تحت الأنقاض. وتسببت المجاعة الناتجة عن الحصار وغياب المساعدات في وفاة 460 فلسطينيًا، بينهم 154 طفلًا.

ودمرت آلة الحرب البنية التحتية بالكامل، وأضحى أكثر من مليون ونصف نازح يعيشون في مخيمات بائسة لا ماء فيها ولا دواء، وسط خشية المنظمات الأممية من تسرب المعادن السامة وارتفاع معدلات السرطان والتشوهات الخلقية في العقود المقبلة.

أشعلت مشاهد الدمار والمجازر غضبًا شعبيًا عالميًا غير مسبوق. فشهدت أوروبا وحدها أكثر من 45 ألف مظاهرة تضامنًا مع غزة، شارك فيها ملايين المتظاهرين في لندن وباريس وبرلين ومدريد وروما وغيرها، رافعين شعار "أوقفوا الإبادة".

كما انطلقت أساطيل كسر الحصار تباعًا، مثل أسطول الحرية وأسطول الصمود وقافلة مادلين وقافلة الصمود البرية، في محاولات رمزية وإنسانية لإيصال المساعدات وكسر الطوق البحري والبري المفروض على القطاع.

هذه المبادرات جعلت الكيان يواجه عزلة دولية متصاعدة. فقد رُفعت ضدّه شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهم قادته بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. كما منعت دول أوروبية وأميركية مجرمي حربه من السفر إلى أراضيها خوفًا من توقيفهم، وطُرد عدد من السفراء الإسرائيليين من عواصم أوروبية وأميركية لاتينية.

وفي سابقة رمزية، حظرت كولومبيا وعدة دول تصدير الفحم إلى إسرائيل، بينما أعلنت إسبانيا انسحابها من بطولة كأس العالم اعتراضًا على استمرار الحرب، في خطوةٍ غير مسبوقة في التاريخ الرياضي الحديث.

وخلال العامين، لم تبقَ الحرب محصورة في غزة. فقد دخل حزب الله اللبناني على خط المواجهة عبر جبهة الجنوب، ما فتح حرب استنزاف على الحدود بلغت ذروتها لتطال البنى التحتية في كل لبنان، فيما نفّذت جماعة الحوثي في اليمن هجمات متكررة على السفن المرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر، وشاركت إيران بدعم مباشر عبر مستشاريها العسكريين في سوريا والعراق.

وردّت حكومة الكيان بسلسلة من الاغتيالات التي استهدفت قادة الصف الأول في حركات المقاومة. ففي لبنان اغتيل الأمينان العامان لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، وآخرون من قادة الحزب البارزين، بالإضافة إلى حادثة تفجير البيكجرز. كما اغتال الموساد في غزة عددًا من قادة كتائب القسام، بينهم محمد الضيف ويحيى السنوار ومروان عيسى، وإسماعيل هنية في طهران، وحاول اغتيال الوفد المفاوض في قطر، في عمليات مركّزة غيّرت مشهد القيادة داخل المقاومة الفلسطينية.

وامتدّ تأثير الحرب إلى إعادة تشكيل النظام الإقليمي برمّته. فقد برزت حكومة الاحتلال كقوة عسكرية مهيمنة، فيما تراجع النفوذ الإيراني وتفكّك ما عُرف بمحور المقاومة. أما تركيا فاستثمرت صعودها السياسي عبر دعم النظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشرع، فيما بقيت دول الخليج على هامش الصراع حتى هاجمت غارة إسرائيلية قطر، ما دفع واشنطن والرئيس دونالد ترامب إلى التدخل مجددًا بخطة لإنهاء الحرب وضمان أمن الحلفاء.

وتطرح خطة ترامب لإنهاء الحرب على قطاع غزة مخرجًا سياسيًا يقوم على وقف فوري لإطلاق النار، وتبادل الأسرى، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، مع ضمان أمن الاحتلال. وقد لاقت الخطة قبولًا مبدئيًا من الطرفين وسط ضغوط إقليمية لإنهاء المأساة، ما يفتح نافذة أمل ضيقة في نهاية هذا النفق المظلم.

لقد حوّلت الحرب غزةَ من مساحة جغرافية محاصرة إلى قضية كونية تُعيد تعريف العدالة. وبينما يبحث الساسة عن تسويات، يبقى الشعب الفلسطيني هو من يدفع وحده فاتورة العالَم بأسره.


 

 


عامان على الحرب على قطاع غزة.. نتائج غيّرت وجه المنطقة