تقارير خاصة

المدارس الرسمية في لبنان على توقيتين مختلفين والوزارة في حيرة القرار

إسلام جحا – خاص الفجر

 

في مشهدٍ لا يخلو من الغرابة ويعكس عمق التخبط الذي يعيشه القطاع التربوي الرسمي في لبنان، يعيش تلامذة المدارس الرسمية وأساتذتهم على توقيتين مختلفين داخل العام الدراسي الواحد، في ظاهرة تُعدّ الأولى من نوعها في تاريخ التعليم اللبناني.

 

وبينما كان الهدف من العام الدراسي الجديد هو "استعادة انتظام التعليم”، وجد الأهالي أنفسهم أمام فوضى زمنية غير مسبوقة: مدارس تعتمد الحصة التعليمية بخمسين دقيقة، وأخرى بخمسٍ وأربعين، فيما العطلات الأسبوعية تختلف بين مدرسة وأخرى، وكأن كل مؤسسة رسمية باتت تضع لنفسها روزنامة خاصة.

انقسام في القرار… وارتباك في الميدان

بدأت الأزمة حين أصدرت وزيرة التربية ريما كرامي تعميمًا رسميًا يحدد مدة الحصة التعليمية قبل الفرصة بخمسين دقيقة، في محاولة لتعويض تقليص أيام التعليم إلى أربعة أسبوعيًا بدلاً من خمسة، وهو قرار كانت الوزارة قد اعتمدته لتخفيف الأعباء المالية والتشغيلية عن المدارس والمعلمين.

التعميم لقي استجابة في عدد من المدارس، لكنّ المفاجأة كانت في موقف رابطة الأساتذة الملاك في التعليم الرسمي التي أعلنت في بيانٍ رسمي عدم الالتزام بقرار الوزيرة، معتمدةً أن تكون الحصة 45 دقيقة قبل الفرصة وبعدها على حد سواء.

النتيجة، كما تلخّصها شهادات المعلمين، كانت انقسامًا واضحًا: مدارس تُنهي دوامها في وقت أبكر، وأخرى تستمر ساعة إضافية، فيما يعيش الأهالي والتلامذة حالة من الارتباك.

فوضى تربوية وتناقض إداري

هذه الازدواجية ليست مجرد خلاف إداري، بل تمسّ جوهر العملية التعليمية. فبعض المدارس باتت تدرّس عددًا أكبر من الحصص أسبوعيًا مقارنة بأخرى، ما يعني تفاوتًا في كمية المواد والمناهج المنجزة، وبالتالي اختلافًا في مستوى التحصيل بين التلامذة في القطاع الرسمي نفسه.

إلى جانب ذلك، تبرز مشكلة إضافية لا تقلّ أهمية، وهي اختلاف أيام العطلة الرسمية بين المدارس. فبعضها يعتمد الجمعة عطلة، فيما تلتزم أخرى بالسبت أو الأحد، بحسب طبيعة المجتمع المحلي أو موقع المدرسة الجغرافي، ما يزيد من حالة الفوضى في الجداول الزمنية وفي تنسيق الامتحانات والنشاطات المشتركة.

أزمة الثقة بين الوزارة والمعلمين

هذه الفوضى ما كانت لتتفاقم لو وُجدت "سلطة مركزية فاعلة” قادرة على فرض قرارات موحّدة ومُلزمة. إلا أنّ الانقسام بين وزارة التربية وروابط المعلمين جعل المدارس تعمل عمليًا وفق اجتهاداتها الخاصة.

فبين التعميم الرسمي والبيان النقابي، ضاعت البوصلة، وصار الأساتذة يتنقلون بين تعليمات متناقضة، والمدراء يتبادلون الاتصالات والرسائل لمعرفة "أي توقيت هو الرسمي فعلاً”، فيما أولياء الأمور يتساءلون عن مصير أبنائهم في عامٍ دراسي بدأ مرتبكًا وقد لا يُستكمل كما يجب.

انعكاسات تربوية خطيرة

أن تفاوت مدة الحصص وعدد الأيام سينعكس سلبًا على جودة التعليم وعلى نتائج الامتحانات الرسمية المقبلة. فالمناهج لا تُختصر بزمن الحصص فقط، بل بتكامل النظام التعليمي ووضوح روزنامته، وهو ما يفتقده القطاع الرسمي حاليًا.

حتى الساعة، لم تُصدر وزيرة التربية ريما كرامي أي قرار حاسم يضع حدًّا لهذا الانقسام. مصادر في الوزارة تؤكد أن الحوار ما زال قائمًا مع الروابط النقابية "للتوصل إلى صيغة توحّد التوقيت وتضمن استقرار الدوامات”، لكنّ ذلك لم يُترجم على الأرض حتى الآن على ارض الواقع.



المدارس الرسمية في لبنان على توقيتين مختلفين والوزارة في حيرة القرار