في تطور جديد يعكس تعقيدات المشهد الإنساني والسياسي، وصلت إلى مطار إسطنبول التركي يوم السبت، أولى دفعات النشطاء الدوليين الذين كانوا على متن "أسطول الصمود العالمي"، والذي اعترضته قوات الاحتلال الإسرائيلي في المياه الدولية أثناء توجهه إلى قطاع غزة المحاصر. وزارة الخارجية التركية قالت إن من بين المرحّلين 36 مواطنًا تركيًا، بالإضافة إلى مواطنين من دول أخرى.
الأسطول الذي ضم أكثر من 40 سفينة، كان يحمل على متنه مئات النشطاء من نحو 72 دولة، في مهمة إنسانية تهدف إلى كسر الحصار البحري المستمر على غزة منذ 18 عامًا، وإيصال مساعدات طبية وغذائية إلى سكان القطاع الذين ينزحون تحت نيران حرب مستمرة منذ عامين.
وبحسب شهادات النشطاء الذين تم ترحيلهم إلى تركيا، فقد استخدمت سلطات الاحتلال "عنفًا مفرطًا وغير مبرر"، تمثل في اقتحام السفن بالسلاح، وتقييد الأيادي، ومصادرة المتعلقات، والحرمان من الطعام والماء، واحتجازهم في ظروف وصفوها بـ"اللاإنسانية". بعضهم تحدث عن احتجاز في زنازين مكتظة بلا تهوية، ولا مياه نظيفة، ولا دواء.
فيما أظهرت مقاطع فيديو نشرتها صفحة الجزيرة مباشر على منصة إنستغرام، ما يسمى بوزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال بن غفير، وهو يصرخ في وجه النشطاء ويصفهم بالإرهابيين.
شهادات النشطاء الذين تم ترحيلهم إلى تركيا لاحقًا، رسمت صورة قاتمة لما حدث. حيث أكد النشطاء، أن عملية الاقتحام تمت بشكل مفاجئ وعنيف، استخدم فيها الغاز، إلى جانب أساليب التقييد والعزل، ومصادرة الأجهزة الإلكترونية.
الناشطة الإيطالية جوليا بيرنارديني، صرحت بأن القوات تعاملت معهم "كأنهم يشكلون تهديدًا أمنيًا"، رغم أنهم كانوا يحملون مساعدات طبية وإنسانية فقط.فيما أشار الطبيب الكندي اللبناني يوسف الحاج إلى أنه احتجز لنحو 48 ساعة دون توجيه أي تهمة، كما منع من التواصل مع محامٍ أو مع الجهات الدبلوماسية.
وفي سياق متصل، تحدثت ناشطة سويدية عن تعرضها لضغوط أثناء التحقيق، حيث طُلب منها الإدلاء بتصريحات معارضة للأسطول مقابل الإفراج عنها.النشطاء أكدوا في تصريحاتهم أن ما حدث لن يثنيهم عن تكرار المحاولة، معتبرين أن كسر الحصار المفروض على غزة "قضية إنسانية وأخلاقية".
الناشطة البيئية السويدية الشهيرة غريتا تونبرغ كانت من بين المحتجزين. وأكد شهود عيان أنها تعرضت لسوء معاملة، حيث تم دفعها بالقوة، وإجبارها على ارتداء العلم الإسرائيلي، في مشهد أثار جدلًا واسعًا ونداءات استنكار من منظمات دولية ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم.
وعلى الرغم من محاولة الاحتلال السيطرة على المشهد إعلاميًا، ونفي وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال للانتهاكات، إلا أن التنديد الدولي اتسع، حيث شهدت عواصم أوروبية كرُوما، مدريد، برشلونة، وباريس، مظاهرات حاشدة دعمًا للنشطاء، وتضامنًا مع الفلسطينيين، ومطالبة بوقف الحرب على غزة ورفع الحصار.
في ظل هذا التصعيد الميداني والجدل القانوني المتصاعد، يتضح أن ما جرى مع "أسطول الصمود العالمي" لم يكن مجرد حادث عابر، بل يمثل فصلًا جديدًا في معركة الإرادات بين قوى التضامن الإنساني وسلطات الاحتلال الإسرائيلي. وبينما يستمر الحصار على غزة، ويستمر معه النزيف الإنساني، تبقى أعين العالم معلّقة على ما ستؤول إليه التحقيقات الدولية، وما إذا كان هذا الانتهاك سيشكل نقطة تحوّل في المساءلة الدولية، أم يظل مجرد رقم جديد في سجل طويل من الإفلات من العقاب.
امل الزهران
إذاعة الفجر