العميد الركن خالد حماده
نجحت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع في القضاء على المحاولة الإنقلابية التي قادتها مجموعات مسلحة متحصنة في الساحل السوري من بقايا نظام آل الأسد وعادت المؤسسات العامة الى العمل، وفق ما أعلنه المتحدث بإسم وزارة الدفاع السورية، يوم أمس الإثنين. تؤكد عشرات الكمائن المتزامنة التي تعرضت لها القوات الحكومية السورية والتي أدت الى سقوط عدد كبير من عناصرها على التخطيط المسبق للحركة الإنقلابية. وبالمقابل تؤكد إستجابة عشرات الآلاف من المواطنين للنفير العام الذي أطلقته الإدارة السورية على الإلتفاف الشعبي الواسع حولها وانعدام إمكانية العودة الى مرحلة ما قبل سقوط الأسد، أو إنتاج حالة إنفصالية تبدأ في الساحل السوري وتمتد الى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أو إلى الجنوب السوري لاحقاً.
لا يمكن تبسيط ما جرى أو اعتباره حدثاً سورياً يتعلق بجماعة سياسية أو عرقية تحاول استعادة موقعها في السلطة بعد أن تمّ إسقاطها. لقد قلبت الإدارة السورية الجديدة معادلات إقليمية امتدت لعقود، واستدعت منذ وصولها الى السلطة في 8 ديسمبر المنصرم مواقف وردود فعل عديدة. تحرر سوريا من التبعيّة لإيران وانتقالها الى الموقع المقابل دفع بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في 22 ديسمبر لتوقّع خروج « مجموعة من الشرفاء لتغيير الوضع الجديد وإخراج الثوار من السلطة». وفي الوقت عينه طرحت الإدارة الجديدة أكثر من علامة استفهام لدى إسرائيل حيال الإستقرار على حدودها الشمالية ومصير اتّفاق فك الإشتباك. لكن المتغيّر الأكثر حراجة كان في ترنح التعايش القسري مع المشروع الإيراني في كل من العراق ولبنان، مما جعل من الحدث في الشمال السوري حدثاً إقليمياً بإمتياز.
لا شك أن حقائق كثيرة ستتكشف في الأسابيع القلية المقبلة حول الجهات الإقليمية المتورطة في المحاولة الإنقلابية، ليس فقط في الداخل السوري فحسب بل كذلك في دول الجوار، سواءٌ عن طريق تعزيز الإنقلابيين بمجموعات متدخلة عبر الحدود أو من خلال تهريب السلاح باتّجاه الساحل السوري. يعكس التدخل الميداني التركي سواءٌ البري أو الجوي بالمسيّرات لمنع الميليشيات الكردية من تهديد الإستقرار في شمال شرق سوريا، أو لمنع الميليشيات العراقية من عبور الحدود الشرقية والإنضمام الى الإنقلابيين، توافقاً إقليمياً على إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا. وفي السياق عينه، فإن مسارعة الأردن لاستضافة إجتماع دول الجوار السوري (تركيا وسوريا والعراق ولبنان) على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ومسؤولي المخابرات للتأكيد على دعم أمن واستقرار سوريا كجزء من أمن المنطقة، تستبطن إلتزاماً عربياً بقطع الطريق على أية محاولة لعودة النفوذ الإيراني، كما تستبطن تحذيراً لكل من العراق ولبنان بضرورة مواجهة أي نشاط للأذرع الإيرانية.
قد يكون من المستغرب عدم دعوة الرئيس نواف سلام الحكومة لإجتماع فوري لمناقشة الموقف في سوريا واتّخاذ التدابير الميدانية والسياسية الضرورية لمواجهة تداعيات الموقف، ليس فقط على مستوى أزمة النزوح الجديدة من الساحل السوري نحو قرى ومدن محافظة الشمال ــــــــ وما يمكن أن تثيره من تداعيات على خلفية التراكمات السابقة وموروثات تعود الى ما قبل الحرب السورية ـــــــــ بل لجهة التحقق من دخول السلاح نحو الساحل السوري عبر الحدود اللبنانية، ومضاعفات حركة النزوح على الوضع الأمني في مدينة طرابلس التي تشهد انفلاتاً أمنياً وانتشاراً كثيفاً للسلاح وتفشي الجريمة.
يدرك اللبنانيون جميعاً أن السبب الرئيس لإنهيار الإستقرار الوطني وضمور القضاء وتفشي الفساد، كان ولا يزال في ارتباط الأداء الأمني بالمصالح السياسية مما جعل المؤسسات الأمنية عاجزة عن تطبيق القانون. ويدرك اللبنانيون كذلك أن ما انحدر إليه لبنان لم يكن فقط وليد قوة قاهرة أتت من خلف الحدود، بل كان نتيجة تقاطع مصالح وتماهٍ تام بين من هم في مواقع المسؤولية مع الحالة القائمة وتحويل المرتكبين الى قوة قاهرة يتعذر ضبطها. أليس تفجير مرفأ بيروت وعجز القضاء عن القيام بالتحقيقات اللازمة لتوقيف المتورطين هو نموذج لعشرات الأمثلة الناصعة على ما يتخبط به الأمن الوطني في لبنان بالرغم من تعدد الأجهزة واتّساع صلاحياتها؟ أليست استباحة المناطق الحدود وتحوُّلها الى ملاذات لتهريب السلاح والمخدرات سبباً أساسياً في انهيار الإقتصاد الوطني ونشوء إقتصاد موازٍ؟
لا شك أن المهام الملقاة على عاتق الحكومة كثيرة ومعقدة وإن وضع جدول لأفضليات المعالجة ليس بالأمر السهل، لكن يبقى العامل الأساس والإستثمار الأهم في الأمن الذي يتوقف عليه نجاح كل المقاربات. لقد التزم خطاب القسم والبيان الوزاري أمام اللبنانيين بتطبيق القانون والدستور، وهذا يعني ذلك إلزامية إجراء تعديلات جذرية تبدأ بإقصاء فلول المرحلة السابقة في المؤسسات الأمنية والقضائية والمالية، ولا تنتهي بالتحلي بالشجاعة والمسؤولية وتغيير القواعد المتبعة في ملء الشواغر الأمنية.
تستدعي المخاطر المترتبة على ما حصل في سوريا التحلي بالمسؤولية الوطنية لتدارك تداعياتها، ليس فقط على أمن الحدود بين البلدين بل على العلاقات بين الدولتين وربما لمواجهة استخدام لبنان منطلقاً لعمليات موجهة نحو الداخل السوري. فهل تمتلك الحكومة الجرأة لإخراج التعيينات الأمنية من الوصايات السياسية والطائفية وتقديم الأمن الوطني على المحاصصات السائدة؟
صحيفة اللواء