هذه الأخبار من مصر _ معن البياري


معن البياري

لا تسرّ البال حزمةٌ ثقيلةٌ من الأخبار من مصر في الأسبوعين الماضيين. يبلغ السوءُ فيها مدىً مُضجراً، ومفزعاً بلا حرجٍ في التوصيف. ومن مفارقاتٍ لا تُخفي نفسها أن انتخاباتٍ تجري في البلد، لا يُطيّر إلينا زملاؤنا المراسلون، وفي وكالات الأنباء، منها الأخبار عن الفائزين ومن نافسوهم، وخرائط اتجاهاتهم وبرامجهم، وإنما عن بطلان عملية الانتخاب نفسها في غالبيّة الدوائر، ولمّا تكتمل جولاتُها، فبعد أن ألغت الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج التصويت في 19 دائرة بسبب "عيوبٍ جوهرية" أثّرت في سلامة الاقتراع والفرز، أصدرت المحكمة الإدارية العليا بطلان نتائج الانتخابات في 27 دائرة، وبذلك لا انتخابات صحيحة في 46 دائرة من أصل 70. أما الطعون التي قُدّمت إلى المحكمة، فحدّث بلا حرج. وبشأن الجدل القانوني بشأن احتساب الأصوات الصحيحة، فلا مدعاة للإتيان عليه هنا، لما قد يُسبّبه من صداع. والأهم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي انتقد ما بلغه من "مخالفاتٍ"، وطالب باتّخاذ كل الإجراءات اللازمة لسلامة العملية الانتخابية. والطريف أن الهيئة الوطنية المختصّة تراجعت عن ثنائها على عملية الاقتراع وأجوائها بعد انتقاد الرئيس ومطلبه إلغاء كل الانتخابات "عند الضرورة". وعندما نقرأ هذا كله، يزداد العجبُ فينا من أنه يحدُثُ فيما المشاركة في عملية التصويت هزيلة، لم تتعدّ 5% في لجانٍ فرعيةٍ كثيرة. وفيما أيضاً نعلم مسبقاً أن هذه "الانتخابات" لن تُصعِّد سوى أهل الولاءات للسلطة بتنويعاتها.
وفي الغضون، يحسُن إشهار التقدير لبيان الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (عشر منظّمات) استعرض كل الأجواء السالبة لنزاهة هذه الانتخابات، بدءاً من "إغلاق المجال العام والسياسي، وقمع أصحاب الآراء المستقلة والنقدية، والتنكيل بالمعارضة السلمية والديمقراطية واستهدافها"، و"هندسة الأجهزة الأمنية القوائم الانتخابية"، و"استبعادها التعسّفي المرشّحين"، و"إحكام سيطرتها على المجال السياسي". وإلى هذا البيان طيّب الذكر، يحسُن أيضاً تثمينُ بيانٍ مماثل، نشرته المبادرة المصرية لحقوق الإنسان، انتقدت فيه 22 منظّمة حقوقية تقريراً قدّمته الحكومة المصرية للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، واشتمل على "صورةٍ زائفةٍ"، بحسب البيان الذي طالب بـ"إجراءاتٍ حاسمةٍ لمواجهة أزمة حقوق الإنسان المتردّية في مصر"، فقد قضت السلطات "تقريباً على المجال العام، كما جرَّمت فعلياً حرّية التعبير، والتجمّع، وتكوين الجمعيات، وتعرّض للاحتجاز أو المحاكمة عشرات آلاف النشطاء، والصحافيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، وناشطات حقوق المرأة، والمتظاهرين السلميين، والنقابيين العمّاليين، والأكاديميين".
ولم يخالف الجسم الحقوقي المصري، في البيانَين الشاملَيْن، حقيقة التردّي العام في المسألة الحقوقية في البلاد، وسوء العملية الانتخابية من مبتدئها إلى نتائجها التي لا تعكس تمثيلاً واقعيّاً (أو أشبه) للمجتمع وتكويناته وقواه. وهذه "حملة لا تسقط بالتقادم"، في تقريرها السنوي الصادر الأسبوع الماضي، تُخبرنا بأن 48 حالة وفاة في السجون المصرية من سبتمبر/ أيلول 2024 إلى سبتمبر 2025، بينها 20 حالة نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد، وجاء على شهاداتٍ عن "حرمان مرضى من العلاج، وتأخير نقلهم إلى المستشفيات رغم خطورة حالتهم، بل واستخدام الحرمان من الرعاية الصحية وسيلة عقابٍ في بعض الحالات". وبحسب التقرير، يخضع الأطباء في مستشفيات السجون لسلطة وزارة الداخلية "بدلاً من خضوعهم لمساءلة نقابة الأطباء، ما يُضعف استقلاليّتهم المهنية ويحوّل الرعاية الصحية إلى أداةٍ في يد الأجهزة الأمنية".
من طيّب الأخبار في مصر أخيراً، وإنْ تتّصل بسوء الأخبار في الوقت نفسه، أن لجنةً تأسّست، قبل أيام، "للدفاع عن سجناء الرأي"، وقّعت على بيانها التأسيسي عشراتُ الشخصيات العامة وسبعة أحزاب، لتكون قوّة ضغطٍ على السلطة. وقد ورد في البيان أن "أكثر من عشر سنواتٍ مرّت ولا يزال آلاف السجناء وأسرهم يعانون من البقاء رهن الحبس، في أزمةٍ ليس معلوماً متى تنتهي، وكابوسٌ مرهقٌ يجثم فوق الصدور، ومع استمرار الدوران في حلقة مفرغة من الحبس الاحتياطي الذي أصبح يستخدم عقوبة في حد ذاته".
تُبهجك الأخبار التي تلتقطها من مصر عن مواهب وكفاءاتٍ شابةٍ في الفنون والآداب والعلوم، تنشط في إبداع نتاجاتٍ تؤكّد المؤكّد عن تربة مصر التي تعدُ بساتينها دائماً بالجميل، غير أن أخباراً، كالتي أعلاه، تشيع في النفس سويداءَ كالحة، شافى الله الجميع.

العربي الجديد
هذه الأخبار من مصر _ معن البياري